المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاطفة الوالدين لابنائهم



دكتور أميرة مراد
01-25-2010, 10:14 PM
دائماَ ما أتأمل علاقة الوالدين بأبنائهما، وأتعجب من مدى قوة العلاقة ومتانتها، بينما في عوائل أخرى تكاد لا تكون هناك علاقة قوية تعزز من الرابطة بينهما، فكأنهم غرباء يعيشون كلٌ في حاله، والعامل المشترك بينهما هو كونهم يعيشون تحت سقف واحد.
الأمر الذي دفعني لأن أبحث عن الأسباب التي من شأنها أن تقوّي أواصر المحبة والتواصل. فالحب والدفء العائلي يلعبان دوراً كبيراً في تنشئة جيل واعي عاطفياً وناجح جداً في علاقاته مع الآخرين.

فما العيب عندما يُظهر الوالدين عاطفتهما لأبنائهم؟؟ ، مع العلم بأننا ندرك تماماً مدى حبهما واهتمامهما بهم، فكل ما يحتاجه الأبناء هو رؤية ذلك الحب والشعور بملامسته لأفئدتهم.

وإذا بحثنا عن الأسباب التي تسهم في تباعد العلاقة بين الوالدين والأبناء نجد منها التالي:

• طبيعة تربية الوالدين أو - أحدهما - في صغرهما، وما يحملان من ممارسات تربوية خاطئة تعلموها من آبائهم وأمهاتهم وطبقوها على أبنائهم دون مراجعتها وعرضها على ميزان العلم والمعرفة.

• انشغال الوالدين أو أحدهما في عمله وفي علاقاته بالآخرين، معتقداً بأنه قد أدى رسالته و دوره تجاه الأبناء.

• اعتقاد الوالدين بأن الأبناء قد وصلوا لمرحلة لا يحتاجون فيه للتواصل العاطفي باعتباره انه قد أصبح مسئول عن نفسه.

• التربية المبنية على النقد الشديد وعدم الرضا على سلوكيات الأبناء - المتهورة في نظر الوالدين- بدون مراعاة وجهات نظرهم الشخصية، يسهم في نمو الابن وهو فاقد الإحساس أو يصعب عليه التعبير على مشاعره، مما ينعكس على أسلوب تواصله مع المجتمع.
وهناك الكثير من الأسباب التي قد تسهم في انعدام أو ضعف التواصل بين الوالدين والأبناء، وكما يعرف البعض بأننا لكي نضمن علاقة قوية ومتواصلة بين الوالدين وأبنائهما فلا بد لنا من أن نبدأ في تنمية العلاقة منذ الصغر لتعطي النتائج المرجوة في الكبر. إلا أن الوقت لم يمض بعد، فمن الممكن اتخاذ زمام المبادرة والبدء من الآن. فما حصدناه من طبيعة الأبناء ما هي إلا نتاج لعوامل أثرت عليهم في الصغر حيث أن الوالدين لهما الدور الأكبر في حياتهما.

أتفق معك أيها الأب وأيتها الأم بأن البداية صعبة وقد تشعر بنوع من الحرج من إظهار مشاعرك لابنك وخصوصاً عند رؤية ردة الفعل من الآخرين. ولكن لا تيأس، فبالإمكان البدء بالأمور البسيطة كمشاركته في موضوع ما أو سؤاله عن يومه، وتأكد تماماً بأنه مع مداومة تطبيق تلك الأفعال البسيطة من شأنها أن تعزز الصلة مع ابنك، وستلاحظ بأن الجسور قد امتدت أمامك لمنح المزيد من الرعاية والحب. وستغمرك السعادة عندما يلجأ إليك ابنك ليشاركك آخر أخباره ويستشيرك في أموره الخاصة طالباً منك المشورة والرأي السديد.

من البديهي بأنك قد رسمت في مخيلتك صورة عن الوضع عندما تتوطد الصلة بينكما، والآن اسمح لي بسؤالك، بماذا تشعر وقد أصبحت مقرباً من ابنك؟ سعادة؟ اعتزاز؟ بالتأكيد ستشعر بذلك، إلا أن المغزى من سؤالي هو طالما قد أحسست وعشت تلك المشاعر الرائعة، أعتقد أنك تود الاحتفاظ بها والإبقاء عليها لتنعم بالرضا.

كما أن هناك العديد من الأساليب والطرق التي من الممكن تطبيقها لتقوية العلاقة مع الأبناء ومنها:
• احترام حاجة الأبناء لأن يستكشفوا الحياة بأنفسهم، وذلك بأن يتعرفوا على مشاعرهم ويتخذوا قراراتهم مع تحمّل مسئولية أفعالهم. إلا أن الأمر لا يخلو من توجيه وإشراف الوالدين ولكن ليس بالقدر الذي يشعر فيه الأبناء بالضيق.

• تقدير مشاعر الأبناء وعدم تجاهلها وكأنها غير مهمة، والعمل على تقديم النصائح الفعالة للتعامل مع الانفعالات الشخصية بتفهم مشاعرهم وتعليمهم طرق مختلفة وأكثر إيجابية في التعامل مع مناقشة البدائل المتاحة، مما يسهم في التقرب من الأبناء وغرس بعض المفاهيم لديهم.

• التواصل المستمر مع الأبناء والحرص على حيوية العلاقة معهم بمجالستهم وإشراكهم في المناقشة، وبالتالي سماع آرائهم وأخذها بعين الاعتبار، الأمر الذي يسهم في تنمية قدراتهم الشخصية.

مع العلم بأننا لكي نضمن النتائج المرجوة عند تطبيق الأساليب السابق ذكرها، فلا بد من أن يعمل الوالدين أولاً على تنمية قدراتهم الذاتية وذكاءهم العاطفي.
وأن يتحمل الآباء مسئولية هذه النتائج ولا يلقونها على الأبناء، ولذلك ربط الرسول عليه الصلاة والسلام بين نجاح الرعاية وتحمل المسئولية فقال: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) رواه البخاري.

كما لا بد من الأبناء بأن لا ينتظروا المبادرة من والديهم، وأن يبدؤوا في مد جسور التواصل والبحث عن الأسباب التي أدت إلى انعدام أو تبلد العلاقة مع الوالدين والعمل على معالجتها بتطبيق ما يلزم.