رمضان شهر كريم، وفرصة غالية يجب استغلالها في تكثير الحسنات، والتقرب إلى رب السموات، بجميع أنواع النوافل والطاعات، وفي هذه المادة بيان منزلة صيام رمضان؛ يقول الله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَا تٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ هُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون َ ﴾ [البقرة: 184]. كان الصيام قبل فرض شهر رمضان ثلاثة أيام من كل شهر، فنسخ ذلك بشهر رمضان، كما قيل في تفسير قوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَا تٍ ﴾؛ فممن قال بذلك من الفقهاء: عطاء، فعن ابن أبي نَجِيح، عن عطاء قال: كان عليهم الصيامُ ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يُسمِّ الشهرَ أيامًا معدودات. قال: وكان هذا صيام الناس قبل، ثم فرض الله - عز وجل - على الناس شهرَ رمضان.. وأيضًا ذكره قتادة. وقال آخرون: إنما عنى الله - جل وعز - بقوله: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُم ْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَا تٍ ﴾ [البقرة: 183، 184]: أيامَ شهر رمضان، لا الأيامَ التي كان يصومهن قبل وُجوب فرض صَوم شهر رمضان.. وهو الأصح في معنى الآية. تفسير الآية[1]: ﴿ أَيَّامًا ﴾ نُصب بالصيام أو يصوموا مقدَّرًا ﴿ مَعْدُودَا تٍ ﴾؛ أي: قلائل أو مؤقتات بعدد معلوم، وهي رمضان، كما سيأتي، وقلله تسهيلاً على المكلفين ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ﴾ حين شهوده ﴿ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾؛ أي: مسافرًا سفر القصر وأجهده الصوم في الحالين فأفطر ﴿ فَعِدَّةٌ ﴾ فعليه عدة ما أفطر ﴿ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ يصومها بدله ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ ﴾ لا ﴿ يُطِيقُونَ هُ ﴾ لكبَرٍ أو مرض لا ير** برؤه ﴿ فِدْيَةٌ ﴾ هي ﴿ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾؛ أي: قدر ما يأكله في يومه، وهو مد من غالب قوت البلد لكل يوم، وفي قراءة بإضافة فدية، وهي للبيان، وقيل: لا غير مقدرة، وكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم والفدية، ثم نسخ بتعيين الصوم بقوله: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْ هُ ﴾ [البقرة: 185]، قال ابن عباس: إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على الولد، فإنها باقية بلا نسخ في حقهما ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾ بالزيادة على القدر المذكور في الفدية ﴿ فَهُوَ ﴾؛ أي: التطوع ﴿ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا ﴾ مبتدأ، خبره ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ من الإفطار والفدية ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون َ ﴾ أنه خير لكم فافعلوه. تعريف الصيام: الصيام في اللغة: الإمساك؛ ومنه: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَ نِ صَوْمًا ﴾ [مريم: 26]. وفي الشرع: إمساك مخصوص، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص، عن أشياء مخصوصة. إمساك بنية ما بين الليلين عن الأكل والشرب والجماع، وما يقوم مقامها كالاستمناء والحجامة ونحو ذلك. والأشياء المخصوصة: مفسداته كما يأتي. من شخص مخصوص: هو المسلم العاقل المميز الذي ليس بحائض ولا نفساء. (صوم رمضان أحد أركان الإسلام) الخمسة، وهو أحد مبانيها العظام فرضيته مدنية لم يفرض إلا بالمدينة، وكذلك الزكاة ذات الأنصاب، بخلاف فريضة الصلاة فإنها مكية كما تعلمون، (فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات) وكان قبل فرضية رمضان مفروض صيام يوم عاشوراء، فنسخت فرضيته وبقي على الندب فقط. معاني الكلمات[2]: أيامًا معدودات: تسعة وعشرون أو ثلاثون يومًا بحسب شهر رمضان. فعدة من أيام أخر: فمن أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد الأيام التي أفطر فيها. يطيقونه: أي: يتحملونه بمشقة؛ لكبر سن، أو مرض لا ير** برؤه. فدية طعام مسكين: فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه. فمن تطوع خيرًا: أي: زاد على المُدَّين، أو أطعم أكثر من مسكين، فهو خير له. وأن تصوموا خير: الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خيرٌ من الإفطار مع الطعام. من هداية الآية: 1- فرضية الصيام، وهو شهر رمضان. 2- الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن. 3- الصيام يكفر الذنوب؛ لحديث: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه)). 4- رخصة الإفطار للمريض والمسافر. 5- المرأة الحامل أو المرضع دل قوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ هُ ﴾ أنه يجوز لهما الإفطار مع القضاء، وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ولا يقضي، والمريض مرضًا لا ير** برؤه كذلك، إلا أن عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكينًا بإعطائه حَفنتي طعام، كما أن المرأة الحامل والمرضع إذا خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاءً مسكينًا. 6- في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة، أشير إليها بلفظ: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون َ[3].

[1] تفسير الجلالين (1 / 38).

[2] أيسر التفاسير؛ للجزائري (1 / 160).

[3] أيسر التفاسير؛ للجزائري (1 / 161).