السؤال

ملخص السؤال:
فتاة مخطوبة تشكو أن خطيبها لم يقدِّمْ لها مهرًا كقريباتها، وتعدُّ ذلك إهانة لها، وتسأل: هل أنا بذلك مظلومة؟

تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا فتاة في منتصف العشرينيات مِن عمري، ومشكلتي أني مخطوبة مِن سنة، ومِن عاداتنا وتقاليدنا في بلدنا أن يكونَ مهرُ الفتاة ليرة ذهب وكسوة، أو تحديد مبلغ كبير. المشكلةُ أنَّ خطيبي اشترى لي الشبكة، لكنه يعتقد أن الشبكةَ هي التي تُقَدَّم للعروس فقط، ولا يريد أن يشتريَ أي شيء آخر، مع العلم بأنَّ زوجة أخي وجميع الفتيات في بلدنا يكون مهرُهنَّ شاملًا للملابس وكسوتهن كاملة. أنا في حيرةٍ مِن أمري، وأشعر بأني مظلومة، فطلبتُ مِن والدي أن يتكلم مع خطيبي، لكنه رفَض. لا أعلم لماذا ينظر لي هذه النظرة؟ فأنا فتاةٌ متعلِّمةٌ جامعيَّة وموَظَّفة، ولستُ سلعةً رخيصة. أشعر بأنني أقل مِن نظيراتي مِن الفتيات؛ فأزواجهنَّ قدَّموا لهنَّ الكثير، فلماذا لا يُقَدِّم لي خطيبي مثلهنَّ، علمًا بأنه ميسورٌ ماديًّا، وليس بخيلًا.
فهل أنا مظلومة؟ وماذا أفعل؟
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ: فبارك الله لك في خطبتك، وأَتَمَّ عليك الزواج على خيرٍ، وقد أحْسَنَ والدُك غايةَ الإحسان لما لم يشقَّ على خطيبك بمطالبته بمزيدِ مالٍ لك، وهذا ليس فيه تقليلٌ من شأنك، بل على العكس تمامًا؛ فقد حثَّ الشارعُ الحنيفُ على اعتبار المقياس في النكاح الدين والخلُق، وليس المال؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاءكم مَن تَرْضَوْنَ دينَه وخُلُقَهُ فأنْكِحُوه ، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ))، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: ((إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخُلُقَهُ فأنكحوه))، ثلاث مراتٍ؛ رواه الترمذي. قولهم: "وإن كان فيه؟": أي: شيءٌ مِن قلة المال أو عدمه. وقد ذكرتِ أن خطيبك كريمٌ، وهذه من أفضل صفات الأزواج، وعكسها شرُّ صفةٍ، وأيُّ داءٍ أدوى مِن البخل؟! والمغالاة في المهور والتباهي بكثرتها غير ممدوحٍ في الإسلام، بل إن قلة المهْر هي الأفضل، وتعتبر دليلًا على بركة الزوجة، فعن عائشة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أعظم النساء بركةً أيسرهنَّ مؤونةً))، وفي رواية: ((أيسره مؤنةً)). قال الإمام الشوكاني في "نَيْل الأوطار": "قولُه: ((أيسره مؤنةً)): فيه دليلٌ على أفضلية النكاح مع قلة المهر، وأن الزواج بمهرٍ قليلٍ مندوبٌ إليه؛ لأنَّ المهر إذا كان قليلًا لم يستصعب النكاح من يريده؛ فيكثر الزواج المرغب فيه، ويقدر عليه الفقراءُ، ويكثُر النَّسْلُ الذي هو أهم مَطالب النكاح، بخلاف ما إذا كان المهرُ كثيرًا؛ فإنه لا يتمكن منه إلا أربابُ الأموال، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين؛ فلا تحصل المكاثَرة التي أرْشَدَ إليها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كما سلف في أول النكاح". انتهى. وكان مِن هَدْيِه - صلى الله عليه وسلم - الذي هو خير الهدي في تزوجه وتزويجه، تيسيرُ النكاح، وتقليلُ مؤونته؛ ففي الصحيحين - واللفظ للبخاري - عن سهل بن سعدٍ، قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ: إني وهبتُ مِن نفسي، فقامتْ ط***ًا، فقال رجلٌ: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجةٌ، قال: ((هل عندك من شيءٍ تصدقها؟))، قال: ما عندي إلا إزاري، فقال: ((إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتَمِسْ شيئًا))، فقال: ما أجد شيئًا، فقال: ((التمسْ ولو خاتمًا مِن حديدٍ))، فلم يجد، فقال: ((أمعك مِن القرآن شيءٌ؟))، قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسورٍ سَمَّاها، فقال: ((قد زوجناكها بما معك من القرآن)). وروى أبو داود عن ابن عباسٍ، قال: لما تزوج عليٌّ فاطمة قال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: ((أعطها شيئًا))، قال: ما عندي شيءٌ، قال: ((أين درعك الحطمية؟)) . وعن أنس بن مالكٍ: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها))؛ متفق عليه. وروى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه قال: سألتُ عائشةَ زوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتْ: ((كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقيةً ونَشًّا))، قالتْ: أتدري ما النشُّ؟ قال: قلتُ: لا، قالت: نصف أوقيةٍ، فتلك خمسمائة درهمٍ، فهذا صَداقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. هذا ما سار عليه خيرُ القرون من الصحابة - رضي الله عنهم - فقد خطب أبو طلحة أم سليمٍ، فكلَّمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة، ما مثلك يُرد، ولكنك امرؤٌ كافرٌ، وأنا امرأةٌ مسلمةٌ، لا يصلح لي أن أتزوجك، فقال: ما ذاك دهرك، قالتْ: وما دهري؟ قال: الصفراء والبيضاء، قالتْ: فإني لا أريد صفراء، ولا بيضاء، أريد منك الإسلام، قال: فمن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق أبو طلحة يريد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ورسولُ الله جالسٌ في أصحابه، فلما رآه قال: ((جاءكم أبو طلحة، غرة الإسلام بين عينيه))، فجاء فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قالتْ أم سليمٍ، فتزوجها على ذلك، قال ثابتٌ: فما بلغنا أن مهرًا كان أعظم منه، إنها رضيت الإسلام مهرًا، فتزوَّجها؛ رواه أبو داود الطَّيالسي ، وهو في الصحيحين مختصرًا.
والله أسأل أن يجمعَ بينكما على خيرٍ