المناهج الجديدة 2018 / 2019 :

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، لا إله إلا الله وحدهُ، صدق وعدهُ ونصر عبدهُ وأعز جندهُ وهزم الأحزاب وحدهُ، لا إله إلا الله ولا نعبدُ إلا إياهُ، مُخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صلِ على سيدنا محمدٍ، وعلى آل سيدنا محمدٍ، وعلى أصحاب سيدنا محمدٍ، وعلى أنصار سيدنا محمدٍ، وعلى أزواج سيدنا محمدٍ، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ، وسلم تسليمًا كثيرً **** كل عام وجميع الأمة الإسلامية بخير

facebook

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه!

  1. #1
    مشرف سابق الصورة الرمزية abomokhtar
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    4,025

    01 (2) ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه!

    ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه! (1)


    بعدما أخبرني بعض الغيورين عن حلقات تلفزيونية متكررة، وكمٍّ من المقالات كُتب مؤخرًا، وقد قرأتُ بعضه في هجمة تكاد تكون "منظَّمة" على صحيح الإمام البخاري - رحمه الله - وصلت إلى أن بعضهم ذكر أن هناك مُطالَبة شعبية لإلغاء صحيح البخاري! وإنا لله وإنا إليه راجعون!
    وذكروا في حلقاتهم ومقالاتهم بعض الشبهات - بزعمهم هم - أما الصحيح فليس فيه شبهات - ولله الحمد - بل الشبهات عليهم ترد.
    وطلبوا ردًّا على كل ما ذكروه من انتقاصات في الصحيح؛ لاشتباه بعضها على الناس، وبحيث يكون الرد لكل حديث في مقال على حِدَة، فكتبتُ على صفحتي في مواقع التواصل الاجتماعي بعضَ الردود، ولما لاقتِ استحسانًا قررت أن أنشرَها على مستوى أكبر؛ لعلَّ الناس تَنتفِع بها إن شاء الله. وقد سميتُ هذه المقالات: "ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه"؛ وذلك لأن البخاري وصحيحِه لا يحتاجان في الحقيقة أي دفاع، إنما المسألة بالنسبة للدعاة والعلماء: إزالة لبس وقع فيه البعض، وتصحيح معتقد، أو إقامة حُجة! فالأمة تلقَّت الصحيح بالقَ*** منذ كتابته من أكثر من ألف عام إلى يومنا هذا، وما عرف أن أحدًا طالب بحَجبِ الصحيح أو إلغائه أو حذف أحاديث منه أو غير ذلك من مطالب هي في الحقيقة "شاذَّ ة" ومتعمَّدة. لذلك، قبل أن نجيب على أوهام الزاعمين والمنتقصين لأحاديث صحيح الإمام البخاري، نود أن نقدم بمقدمة مهمَّة، وهي سوء الفهم عند كثير من الناس عن كتاب الإمام البخاري، وليُعلَم ابتداء أنالعلماء وأهل العلم لا "يخترع ون" من عند أنفسهم دينًا جديدًا، وإنما يقتصر دورهم على إرشاد الناس إلى "الطري ق الصحيح" الذي مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ورائه السلف الصالح.
    فقط هم - أي العلماء - يعرفون الطريق وعلاماته المميزة الصحيحة التي يستطيعون من خلالها أن يُرشدوا الناس إلى الطريق.
    و ليس دورهم أبدًا أن يمهِّدوا لهم طريقًا جديدًا، ولا موازيًا، ولا قاطعًا، ويمكنك أن تسترشد لطريق الرسول صلى الله عليه وسلم بأفضل وأوضح خريطة على الإطلاق، ألا وهي: "صحيح الإمام البخاري". سوء الفهم الأول: "البخا ري هو واضع أو مؤلف هذه الأحاديث": وهذا إشكال ضخم في الحقيقة من جهتين: الأول: ضحالة الثقافة والمعرفة للتراث الإسلامي العِلمي عامة. الثاني: الجهل بقواعد علم الحديث خاصة.
    والحقيقة التي يجب أن يفهمها الجميع جيدًا أن الإمام البخاري لم يأتِ بهذه الأحاديث من كيسِه، ولا ألَّفها، ولا انفرد بها.
    هذه الأحاديث الموجودة عند الإمام البخاري في صحيحه موجودة بنصها في دواوين العلماء الأخرى مثل: صحيح مسلم، وكتاب الترمذي، وأبي داود، وسنن النسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، وإسحاق بن راهويه، ومصنَّف ابن أبي شيبة، ومصنَّف عبدالرزاق، والمئات أو الآلاف من المصنَّفات الحديثية التي أُلِّفت في عصر البخاري أو قبله أو بعده.
    يعني أن البخاري "كعالم للحديث" شارك زملاء له في رواية نفس الأحاديث التي أخرجها هو في صحيحه، ولم يأت هو بجديد لم يُخرِّجوه هم في كتبهم، بل قد قال البخاري: "صنفتُ الصحيح في ست عشرة سنة، وخرَّجته من ستِّمائة ألف حديث، وجعلته حُجَّةً فيما بيني وبين الله"، وقال: "صنفتُ كتابي الجامع في المسجد الحرام، وما أدخلتُ فيه حديثًا حتى استخرتُ الله تعالى، وصلَّيتُ ركعتين، وتيقَّنتُ صحته"، بل في رواية: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلتُ قبل ذلك، وصليت ركعتين"، وصحَّ عنه أيضًا أنه لم يضع كل ما صحَّ عنده من أحاديث في كتابه الصحيح.
    إذًا ما فائدة كتاب البخاري على غيره من الكتب؟ والجواب: أن عبقرية البخاري ظهرت في ملمحَين أساسيين؛ الأول: هو انتقاؤه لأحاديث كتابه، واختيارها بعناية فائقة، في زمن انتشرت فيه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر نقَلتُها "الرواة"، وكان فيهم الكذاب والصادق، فكان البخاري من هؤلاء العلماء الراسخين الذين تصدوا للكذابين على رسول الله، وبيَّن حال الرواة من ضعف أو قوة، ثم وضع البخاري كتابًا مختصرًا جامعًا لما صحَّ من سُنَّة رسول الله في جميع أحواله ورُتَبِه، وبوَّبه تبويبًا بديعًا، وهذا هو الملمح الثاني من عبقريته في هذا الكتاب بعد الجمع لما صحَّ واتَّفق عليه العلماء.
    سبق كتابَ البخاريِّ كتابُ الإمام مالك "الموطأ"، وهو أيضًا كتاب جمَع بعضًا من سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب أصل في السنَّة والفقه ومذهب المالكية.
    وقيل: كان هناك مصنفات في الأحاديث سبقَت كتاب البخاري؛ كمسند إسحاق بن راهويه وغيره، لكن البخاري كان أول من صنَّف كتابًا بهذا الشكل وهذه الطريقة العلمية المتقَنة التي ثبَتَ عليها من أول الكتاب إلى آخره بمنهج رصين، جعل كل من ألَّف بعده إما مقلدًا له، أو مُستفيدًا به.
    وأما كتابه "التاريخ الكبير" الذي جمع فيه حال الرواة، فهو بديع جدًّا، وكل من ألف في علم الرجال أو صنف في الرواة إنما هم عيال على كتاب البخاري "التاريخ الكبير".
    المهم في هذه النقطة، والذي يهمني أن يفهمه الناس هو أن البخاري لم يجلس في شرفتِه يَحتسي قهوتَه وينظر في السماء وفي يده قلَمٌ وأخذ يؤلف أحاديث كتابه الصحيح، بل البخاري أخرج الأحاديث التي اتفق على صحتها أهل العلم في عصره من جهابذة الرواة، وكانت عبقرية البخاري في انتقاء الأحاديث من بين مئات الألوف من الأحاديث، ثم حسن تبويبها ووضعها في كتاب مختصر ليبيِّن للناس أصح ما عُرف عن رسول الله من سنن وآداب.
    يتبع....






  2. #2
    مشرف سابق الصورة الرمزية abomokhtar
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    4,025

    افتراضي رد: ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه!

    ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه! (2)


    سوء الفهم الثاني "صحيح البخاري فوق النقد":
    بيَّنا في المقال السابق سوءَ الفهم الأول عن البخاري وصحيحه، وأن البخاري لم يأته إلهام بهذه الأحاديث، ولا ألَّفها من بنات أفكاره، وإنما ما أخرجه البخاري في صحيحه من أحاديث هو ما اتفق عليه علماء عصره من أئمة الحديث على صحة هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ومن المفاهيم المغلوطة أيضًا عند الناس عن الصحيح أنه فوق مستوى النقد!
    وهذا غير سديد، ولم يَقُلْ أي منتسب للعلم على مر العصور أن كتاب البخاري ممنوع من النقد، هذا ما لم يحدث؛ بل ما حدث هو العكس.
    هناك أحاديث انتُقدتْ على البخاري لماذا أخرجها في صحيحه، ولعل أشهرها حديث المعراج من رواية شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه، وستأتي معنا إن شاء الله في مقال منفصل.
    وقد تتبعه الدارقطني - رحمه الله - في كتابه "التتبع" في عدد من الأحاديث من ناحية "الصنعة" الحديثية.
    نعم، ليس في البخاري حديث ضعيف - إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة - ربما يضعِّفُها بعض أهل العلم من جهة إسنادها، والبعض الآخر يراها صحيحة كسائر الصحيح.
    فالمراد أن كتاب البخاري يتعرَّض للنقد كسائر أي جهد بشري، لكنه قليل بالنسبة لحجم كتابه ونوعية النقد، وإلى يومنا هذا طلبة العلم ربما يرَوْن أن إخراج البخاري لهذه الرواية وعدم إخراجه لتلك فيها نوع من القصور، وأن إخراجه لبعض الرواة دون بعض غير سديد،أو أنه صحح أحاديث خارج كتابه الصحيح ولم يضعها في كتابه، لكن الأخير هذا هو اعتَذَر عنه أنه لم يضع كل حديث صحيح عنده في هذا الكتاب.
    ليس هذا فحسب، بل إن من أهل العلم من قدَّم كتاب صحيح مسلم على كتاب البخاري، ومنهم من قدم كتاب أبي داود المعروف بالسنن، ومنهم كذلك من قدم سنن الترمذي عليه.
    وهؤلاء - وإن كانوا قليلاً - لكن المهم أنه لم يحدث "عصمة" لكتاب البخاري كما يزعم من لا علم عنده.
    فكتاب البخاري عمل بشري، فيه قصور، لكن في الجملة يعتبر هو أصح كتاب على وجه الأرض وضع ليُبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق أغلب علماء العصور إلى وقتنا هذا.
    فما انتُقِد على البخاري من أحاديث، جلها انتقادات فنية (انتقادات لأسانيد الحديث وحال رواتها)، وليست انتقادات لأصل الحديث (الرواية ذاتها)؛ فكل ما في كتاب البخاري من متون هو صحيح، وهذا ما استقرَّ عليه العلماء منذ زمن ط***، والحمد لله رب العالمين.
    وأما سوء الفهم الثالث: أن من يطعن في أحاديث كتاب البخاري (وكما ذكرنا أن ما يوجد في البخاري يوجد في أغلب دواوين السنة) فهو في الحقيقة يطعن في الدين بطريق مباشر أو غير مباشر، عن قصد أو دون قصد، لماذا؟
    لأن التشكيك في صحة الحديث هو في الحقيقة تشكيك في صحة إسناد الحديث (سلسلة الرجال الذين رووا الحديث بداية من الصحابي الذي رواه عن رسول الله، ثم التابعي الذي رواه عن الصحابي، ثم الذي بعده، ثم البخاري أو الرواة عامة).
    وهذا الإسناد (المُشكَّك فيه) قدر روي به عشرات الأحاديث أو مئات في الصوم والصلاة والزكاة... إلخ.
    وهؤلاء الرجال الذين هم رجال الإسناد رَوَوْا الآلاف من الأحاديث، فلو طعنَّا في ر****هم لحديث واحد، فما المانع أن نطعن في ر****هم لباقي الأحاديث، وتضيع السُّنة، ويضيع الدين؟.
    مثال:
    هذا الإسناد مثلاً في البخاري: الزُّهْرِي ُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَر ِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رُوِي به حديث: أن رسول الله نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك. وهذا أصل في مناسك الحج أن النحر قبل الحلق.
    هذا الإسناد: (الزهري، عن عروة، عن المسور رضي الله عنه) هو هو إسناد رواية خروج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وحدوث صلح الحديبية في حديث ط*** مشهور، وفيه سب أبي بكر رضي الله عنه لعروة بن مسعود (الذي كان كافرًا وقتها، وصدَّ المسلمين عن بيت الله، واتَّهَمَ - ضمنًا - المسلمين بالجُبن، وأنهم سيفرُّون عن رسول الله، وسيخذلونه، فلذلك قال له أبو بكر هذه الكلمة الشديدة: "امصص بَظْرَ اللات"، وسنتعرض لهذا الموقف في حديث منفصل إن شاء الله).
    الشاهد: أن من يطعن في هذا الحديث، وهذا الإسناد بالتبعية، فإنه يطعن في حديث الحج، ولو قال: بل حديث الحج صحيح، وحديث الحديبية كذب، فقد اتبع هواه وحكَّمه في دين الله، ولم يعد الأمر لا علميًّا ولا منهجيًّا ولا يحزنون، وأصبح الأمر أن من أعجبه حديثٌ قَبِلَه، ومن لم يعجبه كذَّبه وردَّه، وقال الله: ﴿ أَفَرَأَيْ تَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّه ُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُو نَ ﴾ [الجاثية: 23].
    فمن يُشكِّكُ في حديث صحيح، فإنه يطعن في إسناده (الرجال الذين نقلوا الحديث) أولاً، وأولهم الصحابي (أو رسول الله حسب وجهة نظر الطاعن ومعتقده)، ***زمه إن طعن في إسناد رواية ما، وزعم كذبها، فيلزمُه أن يُكذِّبَ كل رواية نقلت بهذا الإسناد، يعني تكون الخلاصة هدم السنة والدين معًا!
    فأنت لا تعرف كيف تصلي، ولا تصوم، ولا تزكِّي، ولا تحج، ولا تعتمر، ولا تصلي الجنازة، ولا أحكام القصاص، ولا كثيرًا من أحكام المواريث، ولا أحكام الطلاق والزواج، ولا...، ولا... ولا... - إلا بالسنة.
    وحتى لا ندخل في كثير من التفاصيل العلمية، دعونا نأخذ الآن حديثًا حديثًا مما (لا يعجب وليس على هوى البعض) سواء من المنتسبين للعلم أو من أصحاب الأهواء أو المنافقين أو غيرهم؛ لنَردَّ على مزاعم الزاعمين والحاقدين والمغيَّبي ن، وبالله التوفيق.
    يتبع..






  3. #3
    مشرف سابق الصورة الرمزية abomokhtar
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    4,025

    افتراضي رد: ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه!

    ليس دفاعًا عن البخاري وصحيحه (3)

    وأول حديث نقف معه (ليس) بحديث؛ إنما هو أثر موقوف - أي: من كلام الصحابي - وهو أثر عمرو بن ميمون الذي أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، قال: "رأيت في الجاهلية قِرْدَةً اجتمع عليها قِرَدَةٌ قد زنتْ، فرجموها، فرجمتُها معهم". هذ الأثر الذي تلف الدنيا وراءه وكأنه وصمة عار في جبين الصحيح! لكن دعنا نتناقش بموضوعية مع هؤلاء: أولاً: لماذا أخرج البخاري هذا الأثر في كتابه؟ اعلم أنه من أصول القراءة في كتاب البخاري، أن تفهم جيدًا أن البخاري لم يرتب كتابه عشوائيًّا، ولا يصلح أصلاً أن يشرحه أو يفسره إلا طالب علم متخصص؛ لأن البخاري يرتب الأحاديث لغرض أو لهدف لا يفهمه إلا متمرس؛ فالبخاري مثلاً: ذكر أبواب الحج قبل أبواب الصيام، لماذا؟ لأنه اعتمد رواية الحديث: ((بُنِيَ الإسلام على خمس...)) إلخ، وفيها: ((والحج وصوم رمضان))، فقدم معظم الرواة الحج على الصوم، وليس الصوم ثم الحج آخرًا كما يعتقد الكثير من الناس، فلما رتب البخاري كتابه وضع أبواب الحج قبل أبواب الصيام، هذا مثال. وهذا الأثر (يعترضون) عليه لمجرد أن الرجل وصف شيئًا رآه بعينه يخبر به عن أيام جاهليته، وهذا هو مراد البخاري، وهو من عبقريته في التبويب ومن فقه عقله، فإذا نظرت في الأحاديث التي قبل هذا الأثر، لوجدتها كلها صفات للناس وما كانوا يفعلونه قبل الإسلام. فقبل هذا الأثر كان قول ابن عباس رضي الله عنه: "من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا: الحَطِيم؛ فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه". وقبله قول عائشة رضي الله عنها، قالت: " كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترَق ملؤهم، وقُتِّلتْ سَرَوَاتهم وجُرِّحوا، قدَّمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام". فمراد البخاري هو أن يبين للقارئ ما كان عليه أهل هذا الزمان في الجاهلية من أحوال وأخلاق قبل مجيء الإسلام. تتوقع إذًا ما هي الأبواب التالية لأبواب (أيام الجاهلية)؟ الذي فهم ما قلت، سيعرف حتمًا أنها أبواب "مبعث النبي صلى الله عليه وسلم" ومجيء الإسلام، وهذا بالفعل ما فعله البخاري، بعد أن انتهى من وصف أيام الجاهلية؛ ليفهم القارئ ما كان عليه الناس، وما بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به الإسلام من أشياء خالف فيها ما كانت عليه الجاهلية، وأشياء أخرى أقرها! ثانيًا: هل يوجد في الأثر ما يستنكر إذًا؟ لا، ليس فيه شيء إطلاقًا مما يستنكر، والبخاري أخرج الأثر مختصرًا، والحكاية أخرجها الإسماعيلي مطولة مفصلة، يحكي فيها عمرو (مراقبته) لمجموعة قرود (والقرود مشهورة موجودة بالمملكة إلى الآن)، وكيف أن قردة زنت بقرد آخر غير زوجها الذي كانت تنام بجواره، فشمها زوجها بعد، فعلم أنها خانته فصاح بها، فجاء قطيع القرود فرموها بالحجارة، كذا باختصار. والبخاري لم يخرج هذه القصة المطولة، إنما أخرج فقط المختصر؛ لسبب فني، وهو أن إسناد المختصر أصح من المطول. المهم، ليس مراد البخاري إذًا الاستدلال على حكم الرجم في الزنا بفعل القرود! ولو وضع هذا الأثر في أبواب الزنا، لكان أهل العلم أول المطالبين بنقله منها؛ فالقرود غير مكلَّفة، ولا يصح الاستدلال بمثل ذلك؛ فيكون عبثًا؛ وإنما كان مراد البخاري الكلمة الأخيرة في الأثر لمن تأمَّل، وهي: "فرجمو ها فرجمتُها معهم". فهذا فكر جاهلي بحت؛ إذ كيف لمسلم - فضلًا عن عاقل - أن يُقحم نفسه في تصرف الحيوانات وسلوكها ليكون كواحد منهم؟! هذا ليس من العقل في شيء، ولا من الإسلام في شيء. وكأن البخاري يريد أن يقول: "لقد كانوا في الجاهلية يُقحمون أنفسهم حتى في شؤون الحيوان، والإسلام لم يأمر بهذا، والإسلام كرَّم الإنسان ونزَّهه عن هذه الأفعال". هذا هو مراد البخاري في هذا الباب تحديدًا، ليس له أي غرض آخر، وبالأخص الاستدلال بهذا الأثر على حكم شرعي. من يقرأ كتاب البخاري ويفهمه، حين يسمع منتقديه لن يكون ردُّه سوى الابتسام بسخرية، لكننا نوضح للمسلمين الغيورين على دينهم ومن يريد أن يتعلم!
    ثالثًا: هل هناك شيء غريب في هذه القصة؟ لا، إطلاقًا، وكلام عمرو رضي الله عنه مطابق لما نراه كل يوم على قناة Nat Geo Wild مثلًا، فالقردة بالفعل تعيش في مجموعات تسمى Troops، وتتصرف باجتماعية في تحصيل الغذاء والنوم والدفاع عن القطيع من الأعداء والتزاوج، ولكل قرد أسرته، وهناك فيلم مشهور أيضًا كيف يمكن أن يتصرف هذا القطيع بفظاظة مع البشر في فيلم Monkey Thieves، وهو فيلم مشهور يصور كيف تقتحم القرود المدن في الهند لسرقة الأكل وغيره بشكل منظم وذكي، فإن كانوا يفعلون مثل هذه التصرفات، ومعلوم أن قابلية القرد للتعلم والتقليد كبيرة؛ مما يدل على ذكائه، فما المشكلة لو ثبت مثل حكاية عمرو؟ ما الذي يمنع؟! والكبير من هذه القرود Gorillaz أذكى وأذكى. لكن المهم في كل ذلك لو صدر من مجموعة من القرود تصرُّفٌ ما يشبه ما حكى عمرو في ر****ه، لم يكن ذلك بالغريب، فلقد رأينا الأغرب في عالم الحيوان، ومن يشاهد قنوات الناشيونال جيوجرافيك وغيرها، يرى العجب العجاب في عالم الحيوان.
    أفإن جاء الوصف من الغرب وعلمائه أحبَبْناه وصدَّقناه وتداولناه، وإذا جاء في كتب تراثنا قبل 1400 سنة أنكرناه وكذَّبناه؟ ! إن هي إلا فتنة أضرَّت بقوم، وثبت فيها قوم فزادهم ربهم إيمانًا!
    رابعًا: هل هناك من أهل العلم من استنكر هذه القصة؟ والجواب أن نعم، وليس فيها ما يستنكر، لكن استنكرها ابن عبدالبر، وقال: ربما يكون رأى عمرو قومًا من الجن في صورة قردة؛ لأن القردة غير مكلفة برجم الزاني، وقد أجبنا عن ذلك، وأما كونهم من الجن، فهذا تأ*** منه بعيد، وغير ضروري لما وضحنا.
    ومِن أهل العلم قديمًا من رأى أن هذه الرواية مقحمة في البخاري وليست موجودة في كل النسخ المعتمدة، وهذا ليس بسديد أيضًا، فهي موجودة في أصح نسخ البخاري، ولله الحمد. والمهم، أنه ليس في القصة ما يُستنكَر أصلًا، وقد بينا لماذا وضع البخاري هذه "القصة " في كتابه، ووجه استدلاله بها. فالقصة ليست "حدوتة شاذة"، وليست هي مما ذهب إليه البعض من استدلال البخاري على حكم الرجم، وليست هي من باب (الفانتازي ا) الفكرية أو حواديت (ألف ليلة)، وليست هي إلا: توضيح لتصرُّف البشر أيام الجاهلية قبل الإسلام، وكيف أن الإسلام هذَّب تصرُّفات البشر وسواها.. إن لم تقتنع بكل ذلك، فاذهب واشترك في قناتي National Geographic Animal Planet، وسترى أعاجيب وأسرارَ خَلْق ربك الذي قال: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَي ْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُك ُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون َ ﴾ [الأنعام: 38] أمم أمثالكم، يعيشون ويتعايشون، ولهم قوانينهم وحياتهم، ويسبحون ربهم أيضًا، قال ربُّك: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَا تُ السَّبْعُ وَالْأَرْض ُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُون َ تَسْبِيحَه ُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]. هذا، والحمد لله رب العالمين.





المواضيع المتشابهه

  1. بحث عن البخاري
    بواسطة egydonity في المنتدى اللغة العربية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-11-2013, 09:46 PM
  2. نتيجة التجارى
    بواسطة ali_emad52 في المنتدى أرشيف الخدمات التعليمية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-27-2010, 11:00 AM
  3. التعليم التجارى
    بواسطة نور القمر في المنتدى ارشيف اقسام التعليم الفنى
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-22-2010, 08:32 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •