السؤال

ملخص السؤال:
فتاة متعثِّرةٌ في دراستها، على علاقة عاطفيةٍ بشابٍّ وتُحبه، ولكنها لم تُكْمِلْ هذه العلاقة، تائهة ولا تستطيع النجاح في حياتها، تقدَّم لها شابٌّ يريد الزواج منها، ومتردِّدة بسبب حبها الأول وعدم استقرارها العاطفي، تسأل عن مشكلاتها وكيفية الوصول لحلول لهذه المشكلات.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إلى الأستاذة مروة عاشور: أنا تائهةٌ في حياتي، تأخرت في دراستي وأعدتُها بسبب ظروفٍ منزليةٍ شديدةٍ، تعثَّرْتُ في حياتي، وتوقَّفْتُ وأصبحتُ تائهة! لم تكن المشكلةُ في تأخري الدراسي وحده، بل اهتَزَّتْ ثقتي في نفسي، وأصبحتْ رُؤيتي لذاتي مُشَوَّشة، ضاع طُموحي، وفقدتُ الثقة فيمن حولي كذلك. وأصبحت أرى أن التعليم مَضْيَعة للعمر، وأن كل من يتعلم يكون هَمُّه الشهادة فقط، فلا كفاءة، ولا نتائج ملموسة، وأنا لستُ من هؤلاء، بل كل همي أن أُرضي الله بدراستي، كلُّ همي أن أتفوَّق وأُصبح نافعة لنفسي. تعثري هذا أعطاني دافعًا انتقاميًّا ، وجعلني أكمل دراستي لأصل للدكتوراه، وليس ذلك إلا للثأر من نفسي، فكيف أكون متعثرة هكذا ولا أحقِّق أي نجاح؟ كنتُ أجتَهِد لأُثبت لنفسي أني ما زال لديَّ إصرارٌ! لكن لا يمر وقتٌ إلا وأعود كما كنتُ، وأقول لنفسي: إن دراستي لن تتجاوز الامتحان الكتابي، وليس في هذا إرضاءٌ لله، بل مجرد نزْوة، مجرد إثبات للذات. ثم أعود فأقول: هذه أفكار ووساوسُ شيطانية، لا أساس لها من الصحة، فلا بد أن أعمل وأجتهد... إلى أن ينتهي هذا الصراعُ إلى صداع وتعبٍ! كنتُ أظن أن الدراسة جبَلٌ عَلَيَّ تسلُّقه لِأَصِلَ إلى رضا الله سبحانه وتعالى، لكنه انهار فجأةً، وسقطتُ أنا، فما عاد هناك هدفٌ! كنتُ أحب زميلاً لي، وكنتُ معجبةً به بصورة كبيرةٍ، حتى دخل قلبي، وأصبحتْ بيننا علاقة عاطفيةٌ دامتْ لمدة أربع سنوات، وللأسف انتهتْ هذه العلاقة بعدما سببتْ لي ألمًا شديدًا، فقدتُ الكثير بسبب هذه العلاقة، وحملتُ ذنوبًا لا يعلمها إلا الله، زيادة عن شُؤم معاصي الخلوات التي كنتُ فيها، وكانتْ لهذه العلاقة دورٌ كبير في انخفاض مستواي الدراسي! أكثر ما كان يحزنني أن يراني الناس بغير ما أنا عليه حقيقةً، آلمني أني كنتُ خائنةً لله ولأهلي، آلمني أنهم وثقوا فيَّ ثقة عمياء، وأعطوني الحبَّ والعطفَ والرِّعاية وأنا خُنْتُ ذلك، ولم تَعُدْ صورة الفتاة البريئة كما كانتْ! هذا الشابُّ الذي أحببتُه أنا متأكدة مِن أنه يريدني، ولم يكن يتسلى بي، لكن وَضْعه الاجتماعي كان سببًا في ذلك، وشؤم المعصية الذي كنتُ متشبثة بها جعلني أقطع هذه العلاقة، مع أنه استَعْطَفَ ني كثيرًا لأظل معه، لكن فضلتُ قطع هذه العلاقة. تقدَّم لي شابٌّ مرة ثالثة بعدما رفضتُه مرتين قبل ذلك، ومتردِّدة بين القَ*** والرفض، وأراني أريد الزواج هربًا من الضياع والمشكلات النفسية التي أعيش فيها، لكن في المقابل أخشى أن أتزوَّج لهذا الغرض فتزداد مشكلاتي. لا أريد أن أتزوَّج وكلُّ همي في هذه الدنيا أن يكون لديَّ رجلٌ فقط، أريد أن يكونَ هدفي هو الله سبحانه، فأقوم بحق نفسي وحق الرجل الذي سيكون زوجًا لي، ولكن بهذه النفسية لن تكونَ حياته وحياتي إلا نكدًا بسبب الإحباط!
أفيدوني في أمر الزواج، فقد طلبتُ وقتًا للتفكير، ولم أستَقِرَّ عاطفيًّا إلى الآن، أنتظر ردكم ومشورتكم فيما ذكرتُ، وجزاكم الله خيرًا
الجواب

وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته. حياكِ الله مُجَدَّدًا ، وأهلًا وسهلًا بكِ في كل وقت. بعد أن تأملتُ حديثكِ، وتفكَّرْتُ في حالكِ؛ تبيَّن لي أن المشكلة لديكِ ليستْ في تراجع المستوى الدراسي عن سابق عهده، أو ما أصابكِ مِن توتُّرٍ وتخبُّط عاطفيٍّ بعد تجربة متعثِّرة، أو في ذي كفاءةٍ تقدَّم لخطبتكِ وحيَّركِ بين الرفض والق***، بل المشكلةُ لديكِ في التحليل الزائد لكل موقفٍ تمُرِّين به؛ فتبدأ نفسُك في طرْح العديد مِن التساؤلات، وتبحث عن إجابة واضحةٍ وصريحةٍ ومُريحةٍ في آن! هل نيتي في التقدم لنيل الدكتوراه رضا الله؟ هل هي مجرَّد شهادة أحملها لأُثبت لنفسي أشياء كنتُ أبحث عنها؟ هل نيتي في الزواج صحيحة؟ هل أنا راضيةٌ تمامًا عن الخاطب؟ هل سأتمكَّن من إسعادِه ولمَّا أتعافى مِن تجربتي بعدُ؟ ولا شك أنَّ المسلمَ مُطالَبٌ بتفقُّد قلبه، واكتِشاف مواطن الخلَل، ومواضع الزلَل ليرتقَ ما تمزَّق فيه، ويُصلح ما آذن بالفساد قبل أن يستفحِلَ المرضُ، وينتشرَ الضعفُ، ولكن ككل عادة حميدةٍ قد تنقلب بلاءً وَوَبَالاً على صاحبها، فتُنغِّص عيشه وتُكدِّر يومه، وهو ما يُسمى بالوسواس! لديكِ تردُّد وتحيُّر أتعجب أن يصيبَ عقلية علمية عملية مثلكِ؛ فحديثُكِ العملي يُنبئ عن عقلٍ واعٍ، وتفكير ناضجٍ، قلَّ أن يُصاب صاحبه بكل تلك الحيرة.. ولكنه الابتلاء. ما أنصحكِ به باختصار: أن تعملي على تبسيط الأمور في ذهنك، وتتجنَّبي الأفكار التي تهوِّل وتُبالغ في التحليل قدْرَ الاستطاعة؛ فلا حاجة لكِ بما يقول الناس عنكِ وما يتصورون حول الفتاة البريئة الطاهرة التي لم تُدنسْ نفسها بخطيئة أو خطأٍ بشريٍّ قَلَّ أن ينجوَ منه إنسانٌ، وخيرٌ من ذلك طرْدُ تلك الأفكار وأخْذُ الحل القرآني الناجع: ﴿ وَالَّذِين َ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُ مْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْف َرُوا لِذُنُوبِه ِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون َ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم ْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَا رُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِ ينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]. فلستِ بحاجةٍ للتفكير في أمر التواصل مع شابٍّ لا يَحِلُّ لكِ إلا مِن باب التوبة والندَم على الذنب، دون مُبالَغة في تقريع نفسكِ البشرية التي توقفتْ مِن تِلْقاء نفسها عن التواصل، وتَمَكَّنَ تْ مِن ترْك المعصية لله، ولستِ بحاجةٍ لتحليل نيتكِ في الدراسة، إلا مِن مبدأ ينْبَني على أُسس علميةٍ واضحة المعالم بينة الطريق؛ وما المانعُ أن تكونَ رغبتكِ إثبات قدرتكِ على النجاح وتحقيقه؟ وما المانع أن يكون التحدي دافعكِ الأول ومُحركك الرئيس، أليس المؤمنُ تواقًا لكل صعودٍ؟! النفسُ أيتها العزيزة لن تستقرَّ لكِ على حال، ولن تقف ساكنةً ما دام قلبُكِ ينبض، وعقلُك يفكِّر؛ فعندما تكونُ سعيدةً ستُفاجئكِ برضًا وراحةِ بال لن تسْتَشْعِر ِيهما في حالٍ أخرى، وعندما تُكدَّر ويُعكَّر صفوُها، فلن تلبثَ أن تقلبَ عليكِ المواجع، وتستدر أليم الذكريات، وتستفسر بما لن تجدي له جوابًا مُرضيًا، وتلوم وتعتب وتفتش عما ينتهي معكِ بصداع أو دوارٍ، ولئن تركنا لها العنان لتحوَّلَتْ حياتنا إلى جحيمٍ لا يُطاق، وعذابٍ لا يُحتمل، لهذا عليكِ بتبسيط الأمور، وكبْح جماح الفكر الشارد، والتوقُّف عما لا يحتاج لتحليلٍ أكثر مما أعطيناه. أنتِ ما زلتِ تلك الفتاة الرائعة النشيطة الناجحة التائبة، وإن تعثَّرتِ دراسيًّا؛ فقد تعثَّر الكثيرُ مِن العلماء الذين انتفعتْ بهم البشريةُ، وإن أخطأتِ في حق نفسكِ فقد انتفعتِ بذلك الخطأ واكتسبتِ خبرةً وحنكةً في الحياة، فبهذا أجِيبي نفسكِ، واحمدي الله أن وهبكِ ذلك العقل الناضج، وإياكِ ووساوس الشيطان التي ستجركِ إلى الوراء، وتسْحَبكِ إلى الخلْف. أسأل الله أن يُخْلِفَ عليكِ بزوج صالحٍ وأسرة طيبةٍ، تُسَرُّ بها عينُكِ ويَهْنَأُ بها قلبُكِ، وأن يرزقكِ النجاح في الدارَيْنِ .
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل