التوجيه النحوي والصرفي

لقوله تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِ كَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [النحل: 2]

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه، وبعد: فقد سألني بعض إخواني الكرام أن أذكر له توجيه القراءات الواردة في قوله تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِ كَةَ ﴾ [النحل: 2] من كتب أهل العلم، فأجبته إلى طَلِبَتِهِ ، ثم رأيت نشره تعميمًا للفائدة، فأقول وبالله التوفيق: أولاً: القراءات الواردة في الآية: قال الإمام ابن مجاهد في كتابه "السبعة في القراءات" (ص: 370): اخْتلَفُوا فى الْيَاء وَالتَّاء، وَالتَّشْد ِيدِ وَالتَّخْف ِيف من قَوْلِه: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِ كَةَ ﴾: فَقَرَأَ ابْنُ كثير وَنَافِع وَعَاصِم وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة: ﴿ ينزل ﴾ بِالْيَاءِ ، غير أَن ابْنَ كثير وَأَبا عَمْرو أسكَنَا النُّونَ وخفَّفَا الزاي فقرأا: ﴿ يُنْزِلُ ﴾، وَقَرَأَ الْبَاقُون َ ﴿ يُنَزِّلُ ﴾ بِالتَّشْد ِيدِ. وروى الكسائي عَن أَبي بكر عَن عَاصِم: ﴿ تُنَزَّلُ الملائكةُ ﴾ بِالتَّاءِ ، و﴿ الْمَلَائِ كَةُ ﴾ رفعًا. وقال الإمام ابن الجزري في كتاب "النشر في القراءات العشر" (2/ 302): (وَاخْتَلَ فُوا) فِي: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِ كَةَ ﴾، فَرَوَى رَوْحٌ بِالتَّاءِ مَفْتُوحَة ً وَفَتْحِ الزَّايِ مُشَدَّدَة ً، وَرَفْعِ (الْمَلَائ ِكَة) كَالْمُتَّ فَقِ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْقَدْرِ، وَقَرَأَ الْبَاقُون َ بِالْيَاءِ مَضْمُومَة ً وَكَسْرِ الزَّايِ، وَنَصْبِ (المَلَائِ كَة)، وَهُمْ فِي تَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى أُصُولِهِم ُ الْمُتَقَد ِّمَةِ فِي الْبَقَرَة ِ؛ فَخَفَّفَه َا مِنْهُمُ: ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَرُوَيْسٌ . تنبيه وفائدة: قول الإمام أبي منصور الأزهري في كتابه "معاني القراءات" (2/ 75): "ولم يقرأ أحدٌ ما: (تَنزَّلُ الملائكةُ) على (تَفَعَّلُ ) بمعنى: تَتَفَعَّل " يُحمَل على أحد من القراء السبعة. ثانيًا: التوجيه النحوي والصرفي للقراءات الواردة في الآية: قال ابن خالويه في كتاب "الحجة في القراءات السبع" (ص: 209): قوله تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِك َةَ ﴾ يُقرَأ بالياء والتاء، وضمّهما، وبالتشديد والتخفيف. فالحُجة لمن قرأه بالتاء والتشديد: أنه جعل الفعل لما لم يسمَّ فاعلُه، ورفعهم بذلك. والحُجة لمن قرأه بالياء مشدَّدًا أو مخففًا: أنه جعل الفعل لله عز وجل، فأضمَرَه فيه؛ لتقدُّمِ اسمه، ونصب (الملائكة) بتعدِّي الفعل إليهم، وأخذ المشدَّد مِن (نزَّل)، والمخفَّف من (أَنزَل). وقال ابن زنجلة في كتاب "حجة القراءات" (ص: 385): قرأ أبو بكر في رواية الكسائي ﴿ تُنزَّل ﴾ بالتاء مضمومة وفتح الزاي، ﴿ الملائكةُ ﴾ رفع على ما لم يسم فاعله، وحجته قوله: ﴿ وَنُزِّلَ الْمَلَائِ كَةُ ﴾ [الفرقان: 25]. وقرأ روح: ﴿ تَنزَّل الملائكة ﴾ بفتح التاء، وحجته قوله: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِ كَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر: 4]. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ﴿ يُنْزِلُ الْمَلَائِ كَةَ ﴾؛ أي: اللهُ يُنزلها، وحجتهم قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِ كَةَ ﴾ [الأنعام: 111]، وحجتهم في التخفيف: ﴿ وَأَنْزَلْ نَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ﴾ [النحل: 44]. وقرأ الباقون بالتشديد، وحجتهم قوله: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ﴾ [الحجر: 9]. وقال الشيخ محمد سالم محيسن في كتاب "المغن ي في توجيه القراءات العشر" (2/ 316): قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ورويس: ﴿ يُنْزِل ﴾ بإسكان النون، وتخفيف الزاي المكسورة؛ على أنها مضارع (أَنْزَلَ) الرباعي، و﴿ الملائكةَ ﴾ بالنصب مفعول به. وقرأ روح: ﴿ تَنَزَّل ﴾ بتاء مثناة من فوق مفتوحة، ونون مفتوحة، وزاي مفتوحة مشددة، مضارع (تنزَّلَ)، والأصل (تتنزَّلُ) فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، و﴿ الملائكةُ ﴾ بالرفع فاعل. وقرأ الباقون: ﴿ يُنَزِّل ﴾ بفتح النون، وتشديد الزاي المكسورة، مضارع (نزَّلَ) مضعف الثلاثي، و﴿ الملائكةَ ﴾ بالنصب مفعول به. وصلى الله وسلم على نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. المصادر والمراجع: 1- كتاب السبعة في القراءات؛ أحمد بن موسى بن العباس التميمي، أبو بكر بن مجاهد البغدادي (المتوفى: 324هـ)، ت: شوقي ضيف، الناشر: دار المعارف - مصر، الطبعة: الثانية، 1400هـ. 2- الحجة في القراءات السبع؛ الحسين بن أحمد بن خالويه، أبو عبدالله (المتوفى: 370هـ)، ت: د. عبدالعال سالم مكرم، الناشر: دار الشروق - بيروت، الطبعة: الرابعة، 1401 هـ. 3- معاني القراءات للأزهري؛ محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ)، الناشر: مركز البحوث في كلية الآداب - جامعة الملك سعود المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1991 م. 4- حجة القراءات؛ عبدالرحمن بن محمد، أبو زرعة ابن زنجلة (المتوفى: حوالي 403هـ)، ت: سعيد الأفغاني، دار الرسالة. 5- النشر في القراءات العشر؛ شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (المتوفى: 833 هـ)، ت: علي محمد الضباع، نشر: المطبعة التجارية الكبرى [تصوير دار الكتاب العلمية]. 6- المغني في توجيه القراءات العشر؛ محمد محمد محمد سالم محيسن، نشر: دار الجيل بيروت، ومكتبة الكليات الأزهرية القاهرة - مصر، الطبعة: الثانية سنة 1408هـ.