السيدة آسيا بنت مزاحم
( الملكة المؤمنة )
كانت من النساء التي ذكرت في القرآن الكريم ، نشأتْ ملكة في القصور ، واعتادتْ حياة الملوك ، ورأَتْ بطش القوة ، وجبروت السلطان ، وطاعة الأتباع والرعية ، غير أن الإيمان أضاء فؤادها ، ونوَّر بصيرتها ، فسئمتْ حياة الضلال ، واستظلتْ بظلال الإيمان ، ودعتْ ربها أن يُنقذها من هذه الحياة ، فاستجاب ربها دعاءها ، وجعلها مثلاً للذين آمنوا ،
فقال تعالى : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِين َ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِ ينَ ) . [ التحريم : 11]
نسبها
السيدة آسية بنت مزاحم بن عبيد الديان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف عليه الصلاة السلام . وقيل : إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى عليه الصلاة السلام . وقيل : بل كانت عمته .
أجرها وثوابها وفضلها
كان للسيدة آسية ما تمنت فقد بنى الله لها عنده بيتاً في الجنة ، واستحقت أن يضعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع النساء اللاتي كملنّ ، وذلك عندما قال صلى الله عليه وسلم : " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .
وروي عن ابن عباس قول : رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوط أربع في الأرض وقال : " أتدرون ما هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . فقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل نساء الجنة أربع : خديجة بنت خ***د ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " .
كما رُوي أنها والسيدة مريم بنت عمران ستكونان من أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة . فنسأل الله عز وجل بأن يتقبلنا جميعاً في فسيح جناته وأن يمنحنا فرصة الشهادة مثل هذه الشخصية العظيمة وغيرها الكثير ممن قرأنا عنهم أو حتى سمعنا عنهم .
أهم ملامح شخصيتها
كانت السيدة آسية نموذجاً خلّده القرآن للمؤمنة الصادقة مع ربها ، فهي عندما عرفت طريق الحق اتبعتْه دون خوف من الباطل ، وظلم أهله ، فلقد آمنت باللَّه إيماناً لا يتزعزع ولا يلين ، ولم تفلح تهديدات فرعون ولا وعيده في ثنيها عن إيمانها ، أو إبعادها عن طريق الحق والهدي . لقد تاجرتْ مع اللَّه ، فربحَتْ تجارتها ، باعتْ الجاه والقصور والخدم ، بثمنٍ غالٍ ، ببيتٍ في الجنة ، وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم في الآخرة ونعم أجر المؤمنين .
قصتها مع النبي موسى عليه السلام
قد جاء ذكر السيدة آسية في قصة موسى عليه السلام حينما أوحى اللَّه إلى أُمِّه أن تُلْقيه في صندوق ، ثم تُلقي بهذا الصندوق في البحر، وفيه موسى عليه السلام ، ويُلْقِي به الموج نحو الشاطئ الذي يُطلّ عليه قصر فرعون ؛ فأخذته الجواري ، ودخلنّ به القصر، فلما رأت امرأة فرعون ذلك الطفل في الصندوق ؛ ألقى الله في قلبها حبه ، فأحبته حبّاً شديداً .
وجاء فرعون ليقتله - كما كان يفعل مع سائر الأطفال الذين كانوا يولدون من بني إسرائيل - فإذا بها تطلب منها أن يُبقيه حياً ؛ ليكون فيه العوض عن حرمانها من الولد . وهكذا مكّن اللَّه لموسى عليه السلام أن يعيش في بيت فرعون ، قال تعالى : ( وَأَوْحَيْ نَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيه ِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيه ِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِ ولا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُو هُ مِنَ الْمُرْسَل ِينَ. فَالْتَقَط َهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَه ُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ . وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوه ُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَه ُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون ) . [ القصص 7 – 9]
كانت السيدة آسية ذات فطرة سليمة ، وعقل واعٍ ، وقلب رحيم ، فاستنكرت الجنون الذي يُسيطر على عقل زوجها ، ولم تُصدق ما يدعيه من أنه إله وابن آلهة .
إسلامها
حينما شَبَّ موسى عليه السلام وكبر، ورحل إلى مدين ، فراراً من بطش فرعون وجنوده ثم عاد إلى مصر مرة أخرى - بعد أن أرسله اللَّه - كانت امرأة فرعون من أول المؤمنين بدعوته . ولم يخْفَ على فرعون إيمان زوجته باللَّه ، فجّن جنونه ، فكيف تُؤمن زوجته التي تُشاركه حياته ، وتكفر به ، فقام بتعذيبها حيث عَزَّ عليه أن تخرج زوجته على عقيدته ، وتتبع عدوه ، فأمر بإنزال أشد أنواع العذاب عليها ؛ حتى تعود إلى ما كانت عليه ، لكنها بقيت مؤمنة بالله ، واستعذبت الآلام في سبيل اللَّه .
وفاتها
قد أمر فرعون جنوده أن يطرحوا السيدة آسية على الأرض ، ويربطوها بين أربعة أوتاد ، وأخذت السياط تنهال على جسدها ، وهي صابرة محتسبة على ما تجد من العذاب الأليم ، ثم أمر بوضع رحًى على صدرها ، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة ، ومع ذلك فقد صبرت وتحملت الشقاء طمعاً بلقاء الله عز وجل والحصول على الجنة ، وذلك لاعتقادها القوي بأن الله لا يُضيع أجر الصابرين .
وقبل أن تزهق روحها الطاهرة وإحساسها بدنو أجلها دعت المولى عز وجل بأن يتقبلها في فسيح جناته وأن يبني لها بيتاً في الجنة . قال تعالى : " وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " . [ التحريم :11]
فمن ملاحظتنا للآية السابقة فقد قدمت ( عندك ) على ( في الجنة ) ولهذا سرعظيم ألا وهو أنها طلبت القرب من رحمة الله والبعد من عذاب أعدائه ثم بينت مكان القرب بقولهم : ( في الجنة ) أو أرادت ارتفاع الدرجة في الجنة وأن تكون جنتها من الجنان التي هي أقرب إلى العرش وهي جنات المأوى فعبرت عن القرب إلى العرش بقولها : ( عندك ) .
فاستجاب اللَّه دعاءها ، وارتفعت روحها إلى بارئها ، تظلِّلُها الملائكة بأجنحتها ؛ لتسكن في الجنة ، فقد آمنت بربها ، وتحمّلت من أجل إيمانها كل أنواع العذاب ، فاستحقت أن تكون من نساء الجنة الخالدات .
فما أعظمها من امرأة .. وكم يفتقر مجتمعنا لمثل هذه الشخصيات العظيمة الآن .. وما أحوجنا إليها
المفضلات