الدبلوماسي ة الدولية
سافر غيفارا في كانون الأول 1964 لمدينة نيويورك على رأس الوفد الكوبي لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة، وخلال كلمته الحماسية انتقد غيفارا عدم قدرة الأمم المتحدة لمواجهة السياسة "الوحش ية ونظام الفصل العنصري" في جنوب أفريقيا وأعلن "ألا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل شيئا لوقف هذا الأمر؟"[97] ثم شجب جيفارا سياسة الولايات المتحدة تجاه السكان السود قائلا:
واختتم جيفارا خطابه ساخطا من خلال قراءة الفقرة الثانية لإعلان هافانا معلنا أمريكا اللاتينية عائلة من 200 مليون أخ يعانون من نفس البؤس."[97] أعلن جيفارا أن هذه الملحمة من شأنها أن تكون مكتوبة من قبل "جماهي ر الهنود الجياع والفلاحون المنتزعين من الأرضي والعمال المستغلون والجماهير التقدميين" . الصراع لجيفارا كان صراعا على الكتلة والأفكار والتي سوف يحملها "الذين يتم معاملتهم بسوء واستهزاء من قبل الامبريالي ة" التي كانت تعتبرهم في السابق "قطيع من الضعفاء وخانعيين". مع هذا القطيع أكد جيفارا الآن أن احتكار الرأسمالية اليانكية مخيف وسيتسبب "بحفر قبورهم."[97] أضاف جيفارا أنه سيكون في خلال هذه الساعة من "الدفا ع" أن تبدأ جموع "المجه ول" في كتابة تاريخها الخاص "بدمها " واستعادة هذه الحقوق التي كان يسخر منها لمدة 500 سنة. أضاف جيفارا في ملاحظاته إلى الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة على افتراض أن هذه "الموج ة من الغضب" سوف "تجتاح الأراضي في أمريكا اللاتينية" وجماهير العمال الذين "يدورو ن عجلة التاريخ" للمرة الأولى سيقومون "بالصح وة المفتقدة منذ فترة ط***ة من وحش النوم الذي كانوا قد تعرضوا له.[97]
أولئك الذين يقتلون أطفالهم ويميزون بينهم كل يوم بسبب لون بشرتهم، الذين سمحوا لقتلة السود بالبقاء أحرارا، وقاموا بحمايتهم، وإضافة إلى ذلك عاقبوا السود لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة بالعيش كرجال أحرار، من هم أولئك الذين جعلوا من أنفسهم حراسا للحرية؟[97]
غيفارا يستلم درعا تذكاريا من جمال عبد الناصر ويظهر في الصورة علي صبري.
في وقت آخر علم غيفارا أنه تعرض لمحاولتين اغتيال فاشلتين لاغتياله من قبل المنفيين الكوبيين أثناء توقفه في مجمع الأمم المتحدة.[98] المحاولة الأولى من مولي غونزاليس الذي حاول اختراق الحواجز لدى وصوله ومعه سكين صيد طولها سبعة بوصة، والثانية خلال خطابه من قبل غييرمو نوفو الذي كان يحمل جهاز توقيت حيث كانت هناك بازوكا سيتم إطلاقها من قارب في نهر الشرق على مقر الأمم المتحدة.[98][99] بعد ذلك علق غيفارا على كلا الحادثين على أنه: من الأفضل أن أقتل على يد امرأة بسكين من أن أقتل من رجل يحمل بندقية في حين أضاف قائلا مصاحبا موجة من دخان السيجار من فمه: ان الانفجار كان سيجعل الأمر أكثر نكهة.[98]
بينما كان تشي غيفارا في مدينة نيويورك ظهر على شبكة سي بي اس في برنامج صنداى للأخبار برنامج واجه الأمة[100]، والتقى مع مجموعة من الناس، منهم السناتور الأميركي يوجين مكارثي[101] شركاء لمالكوم إكس، مالكولم إكس الذي ابدى اعجابه بجيفارا معلنا أنه أحد الرجال الأكثر ثورية في هذا البلد الآن بينما كان يقرأ بيانا له أمام حشد في قاعة أودوبون.[102]
غيفارا في قطاع غزة.
غادر غيفارا لباريس في 17 ديسمبر في جولة لمدة ثلاثة أشهر واشتملت على شعب جمهورية الصين الشعبية، والجمهورية العربية المتحدة (مصر)، الجزائر، غانا، غينيا، مالي، داهومي، والكونغو برازافيل وتنزانيا، مع توقف في أيرلندا ووبراغ. بينما كان غيفارا في أيرلندا قام بالاحتفال بتراث بلده الأيرلندي في مناسبة عيد القديس باتريك في مدينة ليميريك.[103] كتب إلى والده عن هذه الزيارة قائلا بخفة دم: أنا في أيرلندا الخضراء الخاصة بأسلافك عندما اكتشف التلفزيون [المحطة] جاءوا ليسألونى عن نسبى لعائلة لينش ولكن في حال كانوا لصوصا أو شيء من هذا القبيل، لم أقل لهم أشياء كثيرة.[104]
خلال هذه الرحلة كتب رسالة إلى كارلوس كيخانو محرر في جريدة أسبوعية في أوروغواي، التي تم تسميتها آنفا بعنوان الاشتراكية والإنسان في كوبا.[105] ورد في مقال لجيفارا تلخيص لأفكاره عن خلق نوع جديد من الوعي وحالة جديدة للعمالة والعمل والأدوار الفردية. جيفارا أنهى مقاله معلنا أن "الثور ي الحقيقي يسترشد بالشعور العظيم للحب" وطلب من جميع الثوريين "كافحو ا كل يوم حتى يتحول هذا الحب تجاه البشر الذين يعيشون إلى أعمال يحتذى بها"، وبذلك نصبح "قوة محركة".[105]
يسير في الساحة الحمراء في موسكو، نوفمبر 1964.
ألقى غيفارا ما أصبح خطابة الأخير في الجزائر يوم 24 فبر*** 1965 الذي كان آخر ظهور علني له على المسرح الدولي في ندوة اقتصادية عن التضامن الأفرو - آسيوي.[106] قام غيفارا بالتركيز على الواجب الأخلاقي للبلدان الاشتراكية واتهمهم بالتواطؤ الضمني مع الدول الغربية المستغلة، يعلن أن "أفريق يا تمثل ساحة من أهم ساحات المعارك ضد جميع قوى الاستغلال الموجودة في العالم". ثم ينتقد الاتحاد السوفياتي الذي أصبح "بلدا أنانيا بورجوازيا" على حد تعبيره، ويطلب من الاتحاد السوفياتي أن يساعد مجانا ومن غير شروط الدول الاشتراكية الفقيرة. ثم ينتقد مبدأ التعايش السلمي بين موسكو وواشنطن ويقول: "إن الواجب المعنوي والسياسي للدول الاشتراكية يتطلب منها تصفية كل نوع من التعاون مع الدول الرأسمالية في الغرب". ويطالب الاتحاد السوفياتي بإعادة علاقاته مع الصين الشعبية ويقول: "نحن مرتبطين أشد الارتباط بقوة المعسكر الاشتراكي ووحدته، لذلك فإن الخلاف السوفياتي – الصيني يشكل خطرا شديدا علينا". خطأ استشهاد: إغلاق </ref> مفقود لوسم <ref> وقد انتقد الاتحاد السوفياتي (الداعم المالي الرئيسي لكوبا) بطريقة عامة، وعاد إلى كوبا في 14 مارس إلى حفل استقبال رسمي من قبل فيدل وراؤول كاسترو، أوزفالدو دورتيكوس وكارلوس رافائيل رودريغيز في مطار هافانا.
في عام 1965 بعد ذلك بأسبوعين قل ظهور غيفارا في الحياة العامة ومن ثم اختفى تماما. كان مكان وجوده لغزا كبيرا في كوبا حيث كان ينظر إليه عادة باعتباره الرجل الثاني في السلطة بعد كاسترو نفسه. اختفائه نسب بأشكال مختلفة إلى فشل خطة التصنيع حين كان وزير الصناعة، وإلى الضغوط التي كانت تمارس على كاسترو من قبل المسؤولين السوفيتيين الرافضين لسياسة غيفارا الموالية للصين الشيوعيية حول الانقسام بين الصين والاتحاد السوفيتي. كانت هناك خلافات خطيرة بين غيفارا وكاسترو في كوبا فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والخطة المجتمعية. بداء كاسترو يأخذ حذره من تزايد شعبية غيفارا واعتبره تهديدا محتملا.
وتزامنت وجهات نظر غيفارا مع النظريات التي اوردتها القيادة الشيوعية الصينية والتي سببت مشكلة متنامية بالنسبة لكوبا بالنسبة لاقتصاد البلاد الذي أصبح أكثر وأكثر اعتمادا على الاتحاد السوفياتي. كان غيفارا منذ الأيام الأولى للثورة الكوبية في نظر الكثيرين من المدافعين عن إستراتيجية الماوي في أمريكا اللاتينية والمنشئ لخطة التصنيع السريع لكوبا التي كان يتم كثيرا مقارنتها مع الصين بعبارة "القفز ة الكبرى إلى الامام". كاسترو أصيب بالضجر من غيفارا، ويرجع ذلك إلى أن غيفارا كان يعارض الشروط السوفياتية والتوصيات التي رأى كاسترو أنها ضرورية. في حين وصفها غيفارا بأنها فاسدة شبة احتكارية.[107] وبالرغم من ذلك كان كل من كاسترو وإرنيستو غيفارا يدعمان علنا فكرة تشكيل جبهة موحدة.
في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية وما رأه غيفارا على أنه خيانة من قبل الجهه السوفياتية حين قام نيكيتا خروتشوف بسحب الصواريخ من الأراضي الكوبية، أصبح غيفارا أكثر تشككا في الاتحاد السوفياتي كما ظهر في خطابه الأخير في الجزائر انه جاء ليشاهد حال نصف الكرة الأرضية الشمالي، الذي تقوده الولايات المتحدة في الغرب والاتحاد السوفياتي في الشرق، والمستغل لنصف الكرة الأرضية الجنوبية. كان يؤيد بشدة فيتنام الشمالية الشيوعية في حرب فيتنام، وحث شعوب البلدان النامية الأخرى لحمل السلاح، وخلق "الكثي ر من الفيتناميي ن".[108]
بعد تعرض كاسترو لضغوط دولية بشأن مصير غيفارا صرح في 16 يونيو 1965 أن الشعب سيتم تعريفة عندما يعلن غيفارا بنفسه عن رغبته في السماح لهم بمعرفة أخبار عنه. ومع ذلك انتشرت الشائعات داخل وخارج كوبا. وفي 3 أكتوبر كشف كاسترو عن رسالة غير مؤرخة منسوبة إلي غيفارا مرسله من عده أشهر: أشار فيها غيفارا من جديد إلى تضامنه الدائم مع الثورة الكوبية ولكنه أعلن عن نيته لمغادرة كوبا من أجل القتال من أجل القضايا الثورية في الخارج. إضافة إلى ذلك استقال غيفارا من جميع مناصبه في الحكومة والحزب وتخلى عن الجنسية الكوبية الفخرية.[109] وظلت تحركات جيفارا محاطة بالسرية للسنتين المقبلتين.
صورة لخريطة العالم توضح الدول التي زارها جيفارا (باللون الأحمر) والدول التي زارها وقاد فيها ثورة (باللون الأخضر).
المفضلات