لوي باستير (بالفرنسية: Louis Pasteur)، هو عالم كيميائي فرنسي وأحد أهم مؤسسي علم الأحياء الدقيقة في الطب، ويُعرف بدوره المميز في بحث أسباب الأمراض وسبل الوقاية منها. ساهمت اكتشافاته الطبية بتخفيض معدل وفيات حمى النفاس وإعداد لقاحات مضادة لداء الكلب والجمرة الخبيثة، كما دعمت تجاربه نظرية جرثومية المرض. كان يُعرف لدى عامة الناس بسبب اختراعه طريقة لمعالجة الحليب والنبيذ لمنعها من التسبب في المرض، وهي العملية التي أطلق عليه لاحقا مصطلح البسترة. يعتبر باستير أحد أهم مؤسسي علم الأحياء المجهرية إلى جانب كوهن فرديناند وروبرت كوخ. لدى باستير أيضا العديد من الاكتشافات في مجال الكيمياء، وأبرزها الأساس الجزيئي لعدم تماثل بلورات معينة.[1] يقع جثمانه في معهد باستير في باريس في قبو مذهل يصور إنجازاته على شكل فسيفساء بيزنطية.[2]

نشأته

ولد لويس باستير في 27 ديسمبر 1822 لعائلة فقيرة تعمل في دباغة جلود الحيوانات في مدينة دول في فرنسا وترعرع في بلدة Arbois. وربما غرس ذلك لدى باستير مبدأ الوطنية القوية في شبابه وكان ذلك في وقت لاحق من العناصر المحددة لشخصيته.[3] كان الابن الثالث لأبيه جان جوزيف باستير وأمه جان إتيان روكي. عمل أبوه رقيبا في جيش نا***يون ثم امتهن الدباغة. وكان لويس باستير طالب متوسط ​​الم ستوى في سنواته الدراسية الأولى، ولكن برز نبوغه في الرسم والتصوير. في وقت لاحق تم الاحتفاظ برسوماته الباستيل التي أنجزها عندما كان عمره 15 عاما وصور والديه وأصدقائه في متحف معهد باستير في باريس. حصل على درجة بكالوريوس آداب سنة 1840 ودرجة بكالوريوس علوم سنة 1842 من مدرسة الأساتذة العليا، وحصل على الدكتوراه سنة 1847. أصبح باستير أستاذ كيمياء في جامعة ستراسبورغ بعد أن قضى فترة وجيزة كأستاذ فيزياء في ثانوية ديجون في عام 1848، حيث التقى وتودد إلى لوران ماري، ابنة رئيس الجامعة في عام 1849. تزوجا في 29 مايو 1849 وأنجبا خمسة أطفال، توفي منهم ثلاثة لإصابتهم بالتيفوئيد. استمد باستير من هذه المآسي الشخصية رغبته في التوصل إلى علاج أمراض مثل التيفوئيد.
إسهاماته العلمية

نظرية تخمر الجراثيم

أظهر باستور أن سبب عملية التخمر هو نمو الكائنات الحية الدقيقة، وأن النمو الناشئ للبكتيريا في سوائل المغذيات لا يعود إلى التولد الذاتي، وإنما إلى النشوء الحيوي خارج الجسم، حيث قام بتعريض السائل المغلي في الهواء في أوعية تحتوي على فلتر لمنع جميع الجزيئات من الوصول إلى مرحلة النمو المتوسط مع دخول الهواء عبر أنبوب متعرج ط*** لا يسمح لجزيئات الغبار بالمرور. لاحظ باستير عدم نمو أي شيء في السائل إلا إذا تم كسر وفتح القوارير، لذا توصل إلى أن الكائنات الحية كجراثيم الغبار التي نمت في السائل جاءت من الخارج بدلا من تولدها تلقائيا داخل السائل. وكانت هذه إحدى أهم وآخر التجارب لدحض نظرية التولد الذاتي. كما دعمت تلك التجربة نظرية جرثومية المرض.
لم يكن باستير أول من جاء بنظرية جرثومية المرض (فقد اقترحها كل من جيرولامو فراكاسترو، وأغوستينو باسي، وفريدريك جوستاف جاكوب هنلي وغيرهم في وقت سابق)، إلا أن باستير قام بإجراء التجارب التي تبين بوضوح صحة تلك النظرية وتمكن من إقناع معظم دول أوروبا بصحتها. يعتبر باستير في يومنا هذا أنه منشئ نظرية جرثومية المرض وعلم الجراثيم، إلى جانب روبرت كوخ.[4]
كما بينت بحوث باستير أن نمو الكائنات الدقيقة هو المسؤول عن إفساد المشروبات مثل النبيذ والبيرة والحليب. بالإضافة إلى أنه أوجد عملية يتم فيها تسخين السوائل مثل الحليب للقضاء على معظم البكتيريا والعفن الموجود بالفعل داخله. أنجز باستير أول تجربة بالتعاون مع كلود برنار في 20 أبريل 1862. بعد ذلك بوقت قصير سميت هذه العملية باسم البسترة.[4]
استنتج باستير من فكرة فساد المشروبات أن الكائنات الحية الدقيقة التي تصيب الحيوانات والبشر تسبب الأمراض. اقترح وجوب منع دخول الكائنات الدقيقة في جسم الإنسان، مما قاد جوزف ليستر لتطوير أساليب التطهير في الجراحة.
في عام 1865، تسبب كل من داء pébrine وflacherie وهي أمراض طفيلية بقتل أعداد كبيرة من دودة القز في منطقة Alès الفرنسية. عمل باستير خلال عدة سنوات ليثبت أن مسبب تلك الأمراض هو هجوم جرثومي على بيض دود القز، وأن القضاء على هذه الميكروبات سيقضي بدوره على المرض.[3][4]

لوي باستير في معمله، للرسام ألبرت إدلفلت عام 1885.


علم المناعة والتطعيم

اشتمل عمل باستير في وقت لاحق على مرض الكوليرا الذي يصيب الدجاج. أثناء عمله، فشل التصور بأن البكتيريا هي المسؤولة عن إصابة بعض الدواجن بهذا المرض. بإعادة استخدام دواجن ذات صحة جيدة، توصل باستير إلى أنه لا يستطيع نقل العدوى لهم، حتى مع البكتيريا الجديدة، لذا فإن البكتيريا المضعّفة أعطت مناعة للدواجن ضد المرض، على الرغم من أنها قد تسبب أعراض خفيفة فقط.[3][4]
صدرت تعليمات لمساعده شارل شمبرلند (من أصل فرنسي) لتطعيم الدواجن بعد أن ذهب باستير في عطلة، ولكن فشل شمبرلند بذلك وذهب في عطلة هو الآخر. بعد عودته، أدى الاستنبات لمدة شهر إلى إعياء الدواجن، ولكن بعد ذلك تعافت تماما بدلا من أن يكون المرض قاتلا كما كان متوقعا. افترض شمبرلند أنه قد ارتكب خطأ، وأراد أن يتخلص من الاستنبات الخاطئ كما كان يبدو له عندما أوقفه باستير. استنتج باستير أن الحيوانات التي تعافت قد تكون حصلت على مناعة من هذا المرض، كما الحال مع الحيوانات في إقليم أور ولوار الفرنسي التي قد تعافت من مرض الجمرة الخبيثة. قدم باستير طلبا لاستخدام هذه الطريقة لتطعيم الماشية ضد مرض الجمرة الخبيثة مما أثار اهتماما في مكافحة أمراض أخرى.[5]
ادعى باستير صنعه لقاحا للجمرة الخبيثة من خلال تعريض العصيات للأوكسجين. تم الاحتفاظ بالدفاتر التي كان يستخدمها في مختبره لدى المكتبة الوطنية في باريس، في الواقع استخدم باستير في إنشاء لقاح الجمرة الخبيثة أسلوب منافسه جان جوزيف هنري توسان، وهو جراح بيطري في تولوز.[6][7] تتم هذه الطريقة بأكسدة ثاني كرومات البوتاسيوم . نتج بالفعل لقاحا عن طريقة باستير للأكسدة بعد أن حصل على براءة اختراع لإنتاج لقاح الجمرة الخبيثة.
إن مفهوم اكتساب المناعة بعد التطعيم بنموذج مضعّف من الأمراض الخبيثة لم يكن جديدا، وكان يُعرف هذا المفهوم لفترة ط***ة مع مرض الجدري، حيث أن التلقيح بالجدري كان يؤدي إلى تقليل الندوب وتقليص معدل الوفيات إلى حد كبير مقارنة مع المرض المكتسب طبيعيا. وقد اكتشف إدوارد جينر أيضا التطعيم، وذلك باستخدام جدري البقر لإعطاء المناعة للجدري (في 1796)، إلا أن الاختلاف عن التطعيم ضد الجدري أن التطعيم ضد الجمرة الخبيثة أو تطعيم الدواجن ضد الكوليرا يتم عن طريق شكل مضعَّف "أي تم إنتاجه بشكل اصطناعي" بدلا من الشكل المضعَّف طبيعيا.

نتج عن هذا الاكتشاف ثورة في العمل على الأمراض المعدية، وأطلق باستير اسما علميا على هذه الأمراض المضعَّفة بشكل اصطناعي وأسماها اللقاحات تكريما لاكتشاف إدوارد جينر. أنتج باستير أول لقاح لداء الكلب من خلال زراعة الفيروس في الأرانب، ومن ثم إضعافها عن طريق تجفيف الأنسجة العصبية المتضررة.
أيامه الأخيرة ووفاته

توفي باستير في عام 1895 بالقرب من باريس جراء مضاعفات لسلسلة من السكتات الدماغية التي بدأت في عام 1868.[6] توفي أثناء استماعه إلى قصة القديس *** دي فينسنت.[3] دفن في كاتدرائية نوتردام، ولكن تمت إعادة دفن رفاته في قبو معهد باستير في باريس، حيث يتذكر الناس أعماله المنقذة للحياة.