مقدمة :
القرارات الإدارية عمل من أعمال الإدارة ، إذ لم تعد هذه القرارات ضرباً من ضروب الحدس والتخمين تعتمد على التجربة والخطأ ، وإنما أصبحت ترتكز على أساس علمي ، وذلك لأن القرارات الإدارية من أهم الأركان والدعائم الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري .
فالقرار الإداري هو الأسلوب النموذجي لنشاط الإدارة ، وهو الأكثر استعمالاً والأكثر تمييزاً من الناحية النظرية ، حيث أن السلطة العامة تظهر من خلاله بكل جلاء .
ومن الأهمية بمكان تعريف القرار الإداري وتميزه عن غيره من الأعمال القانونية الأخرى ، مثل الأعمال المادية والأعمال التشريعية والأعمال القضائية ، حيث تتداخل هذه الأعمال القانونية السابقة مع القرارات الإدارية ، فيصعب أحياناً التفرقة بينهما ، ومن هنا تكمن أهمية تعريف القرار الإداري ، وهي تفرقة لازمة أيضاَ لتحديد الأعمال التي تخضع لنطاق الرقابة القضائية عن غيرها .
والقرار الإداري باعتباره نشاطاً مهماً من أنشطة السلطة الإدارية ، يتكون من عدة أركان وهي ركن الاختصاص والشكل والمحل والسبب والغاية التي تعد جسداً للقرار الإداري .
وتمثل أيضاً حدوداً لا يجوز للإدارة مخالفتها وإلا عدت قراراتها مشوبة بعيوب قابلة للإبطال أو البطلان .

* تعريف القرار الإداري وبيان خصائصه .
حيث عرف القضاء الإداري الكويتي القرار الإداري نفس تعريف القضاء المصري ، فعرف أن (القرار الإداري هو ذلك القرار الذي تفصح الجهة الإدارية عن إدارتها الملزمة في الشكل الذي يتطلبه القانون بما لها من سلطة مستمدة من القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني يكون ممكناً وجائزاً وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة) وتكمن أهمية التعريف بأنه عن طريقه يمكن إجراء التفرقة بين القرارات الإدارية من جهة والأعمال الحكومية والأعمال التشريعية والأعمال القضائية من جهة أخرى ، وهي تفرقة لازمة لتحديد نطاق الرقابة القضائية على الأعمال العامة ، إذ يقتصر هذه الرقابة على الأعمال الإدارية ، فلا تمتد إلى غيرها من الأعمال العامة ، وبعبارة أخرى يحدد القضاء المختص في نظر الطعون والمنازعات التي يثيرها العمل الإداري والتصدي لمشروعية تلك الأعمال .
فمن خلال التعريف السابق ، نستطيع أن نستخلص خصائص القرار الإداري التي تميزه عن غيره من الأعمال الإدارية على النحو التالي :
1- إن القرار الإداري تصرف قانوني وهو كل تعبير عن إرادة يرتب عليه القانون أثراً معيناً ، وبالتالي لا تدخل الأعمال المادية ضمن هذا المضمون ، حيث إن هذه الأعمال لا تنشئ ولا تعدل ولا تلغي مراكز قانونية قائمة ن بل إن هذه الأعمال المادية التي تقوم بها إحدى الجهات الإدارية إما أن تكون أعمالاً غير مقصودة مثل الأخطاء التي يرتكبها العاملون أثناء قيامهم بوظائفهم المختلفة ، أو أن تصدر عن عمد دون أن تكون تعبيراً عن إرادة الإدارة كالأعمال الفنية التي يقوم بها العاملون لدى الإدارة بحكم قيامهم بوظائفهم والأعمال التنفيذية للقوانين والقرارات .
وقد ذكرت المحكمة الإدارية العليا الفرق بين القرار الإداري والعمل المادي من خلال تعريفها للقرار الإداري السابق ذكره ، فقالت (ويفترق القرار الإداري بذلك عن العمل المادي الذي لا تتجه فيه الإدارة بإرادتها الذاتية إلى إحداث آثار قانونية وإن رتب القانون عليها آثاراً معينة لأن مثل هذه الآثار تعد وليدة الإرادة المباشرة للمشروع وليس وليد إرادة الإدارة الذاتية) .
وقد طبق القضاء الكويتي نفس المبدأ السابق في التفرقة بين القرار الإداري والعمل المادي حيث قضى ب : (أن القرار الإداري يتميز عن العمل المادي الذي يخرج اختصاص الدائرة الإدارية بان الأول يكون مسبوقاً أو مصحوباً بقصد إحداث تعديل في المراكز القانونية القائمة في حين أن العمل المادي يكون دائماً واقعة مادية أو إجراء مثبتاً لها ولا يقصد به تحقيق آثار قانونية معينة إلا ما كان منها وليد إرادة المشرع مباشرة) .
والتعبير عن الإرادة قد يكون صريحاً بالكتابة أو بالقول والغالب أو يكون التعبير بالكتابة ، ويمكن أن يكون أيضاً التعبير عن الإرادة ضمنياً يستفاد من سكوت الإدارة ، ومن تطبيقاته :
ق*** الاستقالة التي مضى على تقديمها أكثر من ثلاثين يوماً دون صدور قرار صريح بذلك بق***ها أو رفضها أو إرجاء البت فيها ، وكذلك رفض التظلم الذي مضى على تقديمه ستون يوماً دون الإجابة عليه من السلطة المختصة ، وكقاعدة عامة يعد في حكم القرارات الإدارية امتناع السلطة عن اتخاذ قرار كان يجب وفقاً للقانون .
2- صدور القرار الإداري من جهة إدارية ، فالقرار الإداري يتخذ هذه الصفة ويتحدد بالنظر إلى شخص من أصدره ، والإدارة هي التي تصدر القرارات ، وبناء عليه يعد كل شخص من أشخاص القانون العام تنطبق عليه صفة الإدارة يمكن أن يصدر قراراً إدارياً . أما غيرها من الأشخاص الذين لا تنطبق عليهم هذه الصفة لا يمكنهم ذلك .
3- يصدر القرار الإداري بإرادة منفردة دون اعتداد برضا المخاطبين ، وهذه أهم ميزة للقرار الإداري تميزه عن العقد الإداري ، إذ إن القرار الإداري ينشأ ويكتسب صفته الإلزامية بمجرد التعبير عن إرادة الإدارة دون اعتداد بإرادة الطرف الآخر ، مثال ذلك قرار إداري بهدم منزل آيل للسقوط وتنفيذه أحياناً بالقوة المادية عند رفض مالك العقار.
4- وإذا كان القرار تعبيراً عن إرادة الإدارة ، فيجب صدوره لمن يملك التعبير عن إرادة الإدارة من أصحاب الاختصاص ، طبقاً للقوانين واللوائح .
5- ويجب أن يترتب القرار الإداري آثار قانونية ، وتتمثل هذه الآثار في إنشاء أو تعديل أو إلغاء المراكز القانونية ، فيكتسب المخاطبون فيها حقوقاً أو يلتزمون بواجبات ، سواء كان القرار الإداري قراراً تنظيمياً كلائحة المرور ولوائح الضبط أو قراراً فردياً يخص فرداً أو أفراداً معنيين بذواتهم ، فينشئ لهم حقاً أو يفرض عليهم التزاماً كقرار تعيين موظف أو منح ترخيص بناء عقار .
وعادة ما يفسر القضاء الإداري فكرة ترتيب الآثار القانونية على صدور القرار الإداري تفسيراً واسعاً .
فيكفي أن يمس القرار الإداري مصالح الأفراد أو يؤثر عليهم بطريقة أو أخرى ، فالقرار الصادر بتوقيع جزاء الإنذار على فقد قضت محكمة القضاء الإداري في أوضح أحكامها بقولها إنه : (يشترط في القرار القضائي أياَّ كانت السلطة التي تصدره توافر شروط ثلاثة : الأول قيام خصومة بين طرفين ، والثاني أن تقوم هذه الخصومة على مسألة قانونية ، والثالث أن يكون للقرار عند الفصل في الخصومة قوة الشيء المقضي فيه ، وبمعنى أوضح أن يعد عنوان الحقيقة فيما قضى به) .
وعلى الأساس السابق عد مجلس الدولة المصري أعمالاً قضائية لا يختص بها ، الأحكام القضائية ، سواء صدرت من جهة قضائية عادية أو استثنائية.
أما بالنسبة للأعمال القضائية التي تصدر من جهات إدارية ذات اختصاص قضائي فإن مجلس الدولة قد أخذ في شأنها بالمعيار الشكلي ، وبالتالي أعدها بمثابة قرارات إدارية يجوز الطعن فيها بالإلغاء .
وقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا في هذا الصدد إلى أن مجلس المراجعة المنصوص عليه في القانون رقم 56 لسنة 1954م في شأن الضريبة على العقارات المبنية : "هو جهة إدارية ذات اختصاص قضائي تصدر قرارات نهائية في التظلمات المقدمة إليها .
كما ذهبت إلى أن "لجنة مخالفات الري لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي .
غير أن مجلس الدولة المصري في بعض الأحكام ، هجر المعيار الموضوعي المجرد والمعيار الشكلي المجرد فمزج بين المعيارين الشكلي والموضوعي ، وقد تجلى ذلك في حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بتاريخ 13-12-1954 والذي قررت فيه : "إن شراح القانون العام قد اختلفوا في وضع معايير للتفرقة بين القرار القضائي والقرار الإداري ، فمنهم من أخذ بالمعيار الشكلي ، ويتضمن أن القرار القضائي هو الذي يصدر من جهة منحها القانون ولاية القضاء .
ومنهم من أخذ بالمعيار الموضوعي ، وهو ينتهي إلى أن القرار القضائي هو الذي يصدر في خصومة لبيان حكم القانون فيها .
بينما يرى آخرون أن يؤخذ بالمعيارين معاً - الشكلي والموضوعي - وقد اتجه في فرنسا ثم في مصر إلى هذا الرأي الأخير ، وإن الراجح هو الأخذ بالمعيارين معاً مع بعض الضوابط ، وذلك أن القرار القضائي يختلف عن القرار الإداري في أن الأول يصدر من هيئة استمدت ولاية القضاء من قانون محدد لاختصاصها مبين لإجراءاتها ، وما إذا كان ما تصدر من أحكام نهائية أو قابلة للطعن ، مع بيان الهيئات التي تفصل في الحال الثانية ، وأن يكون هذا القرار حاسماً في خصومة أي نزاع بين طرفين ، مع بيان القواعد القانونية التي تنطبق عليها ووجه الفصل فيها" .
وقد أكدت محكمة القضاء الإداري هذا المعنى في أحكام عدة حين قالت ".. قد استقر رأيها على الأخذ بالمعيارين الشكلي والموضوعي للتفريق بين القرار القضائي والقرار الإداري" .
ولأجل ذلك شبه بعض الفقهاء قواعد الاختصاص بقواعد الأهلية ، لكن الفارق بينهما يرجع إلى الغاية لكل منهما ، فقواعد الاختصاص هدفها المصلحة العامة ، بينما قواعد الأهلية هدفها المصلحة الخاصة .