قبل أن نذكر بعضًا من الأحاديث المنسوخة في الصيام والأحاديث الناسخة لها، يجدر بنا أن نشير إلى طرق معرفة الناسخ من المنسوخ، حيث تنحصر في ثلاثة أمور:

1- التصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك: كحديث بُريدة رضي الله عنه في صحيح مسلم وفيه: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكّر الآخرة).
2- النصّ على ذلك من أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين: كقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" أخرجه أصحاب السنن، وقال الزهري: "كانوا يرون أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الناسخ للأول". 3- معرفة التاريخ: كحديث شداد بن أوس رضي الله عنه في سنن أبي داود: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فقد جاء في بعض الطرق أن الحديث كان في زمن الفتح، فنسخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم في حجة الوداع" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

نسخ جواز أكل الصائم وشربه بعد طلوع الفجر

المنسوخ: عن زرّ بن حُبيش قال: قلت لحذيفة رضي الله عنه: أسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "نعم، ولو أشاء أن أقول إنه النهار إلا أن الشمس لم تطلُع"، فقلت لأبي: كيف كان سحوركم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "نعم هو الصبح إلا أن الشمس لم تطلُع" رواه أحمد وابن ماجه. الناسخ: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "أُنزل ت {وَكُلُواْ وَاشْرَبُو اْ حَتَّى يَتَبَيَّن َ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} فكانوا يأكلون ويشربون إلى الإسفار، ثم نزل قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} فنُسخ ذلك، فصار الواجب صوم اليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس" متفق عليه. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحرن ا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، فقيل له: كم كان بين الأذان والسحور؟ قدر خمسين آية" رواه البخاري.

نسخ بطلان صوم الجُنُب

المنسوخ: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح جُنُبًا فلا صوم له) متفق عليه. وعن عبد الله بن عمر القاري أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: "لا وربِّ هذا البيت، ما أنا قلت: (من أدركه الصبح وهو جُنُب فلا يصومنّ)، محمدٌ صلى الله عليه وسلم قاله" رواه أحمد والنسائي بإسناد صحيح. الناسخ: عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر وهو جُنبٌ من أهله ثم يغتسل ويصوم" متفق عليه، وفي رواية لمسلم عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنُبا من جماعٍ غير احتلامٍ في رمضان ثم يصوم ذلك اليوم".

نسخ وجوب صيام عاشوراء

المنسوخ: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: (ما هذا؟)، قالوا: يومٌ صالحٌ، هذا يوم نجّى الله عز وجل بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى شكرًا لله، فقال: (أنا أحق بموسى منكم)، فصامه وأمر بصيامه" رواه البخاري. وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء ويأمر بصيامه" رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. الناسخ: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان عاشوراء يومًا تصومُه قريشٌ في الجاهلية، فلما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فُرِض رمضان، كان رمضان هو الفريضة وتُرِك عاشوراء، من شاء صامه ومن شاء تركه" رواه البخاري.

نسخ بطلان صوم المُحتجم

المنسوخ: عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه الترمذي وقال: أصحُّ شيء في هذا الباب. وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أبو داود في سننه، وجاء في بعض طرق الحديث أن ذلك كان في زمن فتح مكة. الناسخ: عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرمٌ صائمٌ في حجة الوداع" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح؛ ولذا فإن هذا الحديث ناسخٌ للحديث الذي قبله لأنه متأخرٌ عنه.