السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي قد تبدو سخيفةً، ولكنها للأسف تَغمُرني، لدرجة أني لا أستطيع أن أشرحَها بطريقةٍ واضحةٍ، حاولتُ كثيرًا أن أتغيَّر للأفضل، وأن أتقرَّبَ إلى الله، وأترك الأغاني و"التلفاز"، وأُكْثِر مِن النوافل، وفي البداية شَعرتُ بالراحة والطُّمأني نة، وأنَّ ما أفعله أمرٌ جيد، ولكنَّ أخواتي سخرنَ مني، وضَحِكْن عليَّ، وكثيرًا ما ينعتْنَنِي بـ: (الزاهدة، والحكيمة، والعجوز)!
أصبحتِ الدموعُ لا تُفارقني، أبكي ليل نهار! قاطعْنَنِي ، وأصبحتُ وحيدة في البيت!
والآن لا أملك إلَّا الحزْنَ؛ فليس لي أحدٌ أحكي له ما بي، تغيَّرتُ وفترتُ عن العبادة، كل يوم أبتعد عنِ الله أكثر، حتى صلاتي أصبحتْ واجبًا أريدهُ أن ينتهي!
كنتُ في السابق أسمع الأغاني وأشاهد الأفلام؛ لذا كنتُ قريبةً من الناس، وكانتْ علاقاتي جيدة، أمَّا الآن فلا يُوجَد لديَّ أحدٌ، لا يوجد سوى البيت الذي يُشبِه السجْنَ، والذي لا أخرج منه أبدًا.
أخبروني ما هذا الذي أنا فيه؟ وماذا أفعل؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم.

أختي الفاضِلة، أهلًا وسهلًا بكِ، ونسأل الله أن يُسهِّل أمركِ، ويرزُقكِ التمسُّك بهذا الدِّين، وأن يرزقكِ الثبات والصبر على أخواتكِ.
أنصحكِ أولًا بأن تتحدَّثي مع أخواتكِ، وتسأليهنَّ: لماذا هذه المعامَلة معي؟! ما الذي أفعله تجاهكنَّ لتُعامِلنَ ني بهذه السخرية؟ وانظري ماذا سيقُلنَ لكِ، فإذا قلْنَ كلامًا حقيقيَّا أنتِ تفعلينه مع التديُّن؛ مثل: نظرة احتِقار، أو الشعور بالنفس أكثر من اللازم، فمن الممكن أن تعتذري لهنَّ، حتى لا تظلَّ هذه العلاقةُ المُنقطِعة قائمةً، وحتى تستطيعي تغيير الصِّفات السلبيَّة لدَيكِ.
أيضًا مِن المُمكِن أن تستعيني بوالدَيكِ، وأن تضعي المشكلةَ أمامهما، وأن تخبريهما بأن هناك مشكلةً بينكِ وبين أخواتكِ، ولا بدَّ لهما من التدخُّل للنصح السرِّي لهنَّ!
أما إذا كان لا يَظهر منكِ إلا المُعاملةُ الطيِّبة معهنَّ، فأحب أن ألفتَ نظركِ إلى أنَّ المؤمنة التي تُخالط أُسرتها، وتصبر على سخريتهم، خيرٌ مِن التي لا تَصبِر، فعليك احتساب الأجر في هذا الصبر، مع الاجتهاد في النُّصح لهنَّ بالطريقة المُناسِبة والوقت المناسِب وبالتدريج، ولا تَستعجِلي النتائج، ولا تَنظُري إليهنَّ نظرة احتِقار، وتعتقدي أنهنَّ في وادٍ آخَر - مثلًا - وأن الله لم يهدهنَّ بعدُ!
انتبهي؛ فأنتِ محلُّ قُدوة الآن؛ حتى تكوني عَوْنًا لهنَّ على الهداية، وطالَما أنكِ مُطيعة لله تبارك وتعالى، فلا يَضركِ كلام الناس، وعليك التحمُّل؛ لأن الانسان المتدين يُوقِن بالأجْر والثواب، فلا عليك بالحزن والاكتئاب لما يَحدُث منهنَّ؛ فإنَّ الإنسان الذي لم يتشبَّع مِن الدِّين قد يَحدث منه الكثير.
حاوِلي الاقتراب مِن أخواتِك مِن الناحية الدُّنيويّ َة, استَشيريهن في أمورك الشخصيَّة وأشعِريهن بأنك تَحتاجين لهنَّ ولخبرتهنَّ , اقتربي منهنَّ وقت الخروج، وقت السَّمَر والضَّحِك، واجتهدي في إظهار صفاتك التي تتخلَّقين بها من الدِّين؛ فنحن لا نُريد إظهار أنَّ الدين يجعل الإنسان مُنطويًا ولا يَضحك وحزينًا طوال الوقت، وأنه قاطع للرحِم؛ لأنَّ الدين هدفه تهذيب الإنسان، وجَعْله يتخلَّق بالأخلاق الحميدة التي حثَّنا عليها الرسولُ الكريمُ - صلى الله عليه وسلم، فقد وصَّانا بالعطف على الآخَرين، واحترام الكبير وتوقيره، والتبسُّم في وجْه الآخَرين، حتى لو كانوا يَسخرون منَّا، فهذه كلُّها أُمور تجعل باب الهداية أسرع، وبالطبع لا يوجد إنسان - حتى لو كان مُتديِّنًا - ليس به سلبيات. وحتى إن كان إنسانًا غير متدين، فمن المؤكَّد أن يكون الله قذَف في قلبه بعض الصفات الحميدة وجوانب الخير.
فعليكِ بالتفكير في شخصياتِهنّ َ، وإيجابياته نَّ، ومِن ثَمَّ تدعيمهنَّ بها، وتذكيرهنَّ بأنهنَّ - مثلًا - كريمات، أو طيبات، أو محبوبات، امدحيهنَّ دومًا في الوقت المناسب؛ لتقتربي منهنَّ عاطفيًّا أكثر، ولا تُقابلي إساءتهنَّ بالإساءة؛ مثل أن تقاطعيهنَّ في الكلام - كما ذكرتِ - ولكن قابلي إساءتهنَّ بالإحسان؛ مثل أن تُحوِّلي السخرية إلى ضَحِك، وتَجعلي رُوحكِ مَرِحةً، وأنه لا يهمُّك ما يُقال تجاهك، وتذكَّري أن الرسل جميعهم صبروا على الإساءة التي لاقَوها، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ، وأُكرِّر على أهمية أن تبحثي عن المفاتيح المُناسِبة لقلوب أخواتِك، وليس الدِّين بالمظهر والقيام بالعبادات فقط، ولا يصحُّ مِن المُتديِّن أن يَنزويَ على نفْسِه في غُرفتِه، ولا يأمرنا دينُنا بقطْع الصِّلَة مع مَن هم أقلُّ مِنَّا، فإنَّ الايمان مختلف عند كلِّ شخصٍ، وإنَّ الإيمان يَزيد وينقص.
أَنصحُكِ بالخروج مِن دائرة الغرفة والحزن والوَحْدة إلى الحياة الجميلة التي تَرَين فيها كل ما هو جديد ومُفرِح, مارِسي الرياضة يوميًّا إذا كنتِ تستطيعين ذلك, اذهَبي لمُمارَسة هواياتك، ونمِّي نفسَكِ وقُدراتكِ, اعتني بنفسِك وبجمالكِ وبطَعامكِ الذي تأكلينه، خُذي قرارَكِ: إنني الآن سوف أَنظر للحياة بصورة أجمل وأفضل وأكثر إيجابية، اقرئي الكُتُب التي تحثُّكِ على تطوير الذات وكيفية النظر إلى العالم الخارجي بصورة أفضل، وعند شُعوركِ بالحزن الشديد لا تَذهبي إلى النوم؛ لأن ذلك يتسبب في بعض المشاكل الصِّحيَّة , لا تَذهبي إلى السرير إلا وقد غلبكِ النعاسُ، ولا تَجعليه مأوى للحزن والتفكير، أيضًا إذا شعرتِ بالحزن الشديد قومي بكتابة مَشاعِرك السلبية وقتَها، وبعدها قومي بتقطيعها، وأخْذ قرار أنك سوف تتخلَّصين مِن هذه المشاعر السيئة، وسوف تَشعُرين براحةٍ بعدها.
إن لم تستطيعي مُواجَهة أخواتكِ بما يُضايقكِ، فمن الممكن أن تُرسلي إليهن رسالةً بطريقة مُهذَّبة، ولتَنتظِري ردَّ فعلهن بعد ذلك، أيضًا جرِّبي مُمارَسة تمارين الاسترخاء وقت الحزن والشعور بالوحدة، ويَكثُر وجودها على الإنترنت.
من الممكن أيضًا أن تَشتركي في حلقات العلم بالمسجد؛ لتقوية الإيمان بالله.
ولا تنسَي أن تدعي الله لأخواتك بصلاح الحال، ولكن ليس أمامهن.

وأخيرًا، أدعو الله لكِ بالأنس به وحده، وأن يفرجَ همك، ويُزيل كَربك، ويفتحَ عليك، ونحن في انتظار أخبارك السعيدة قريبًا
إن شاء الله.