السؤال

ملخص السؤال:
شابٌّ تعرَّض لعدة صدمات أثرتْ عليه، وجعلتْ لديه تلعثمًا واضطرابًا في الكلام، ويسأل عن العلاج.

تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. بدأتْ مُشكلتي منذ صِغَر سني؛ إذ بدأتُ التحدُّث مبكرًا، وتركتُه مبكرًا كما بدأتُه، عانيتُ في بداية الأمر - خاصة في سن الرابعة والخامسة - مِن فقدان النُّطْق!
ثم بدأت المعاناةُ، فمِن الأطِبَّاء ، للشيوخ، للدَّجَّال ين... وقضيتُ طفولتي على هذا المنوال.
مع الوقت تحسَّن الوَضْعُ، لكن بعد مُعاناة شديدة، حتى إنني في بعض الأوقات كاد يخرج قلبي مِن مكانه لأنطق حرفًا واحدًا، وكل مشكلتي التلعثُم!
أصابني الانطواء والوحدة، وأصبحتُ أتجنَّب البشَر وسخافاتهم؛ إذ كنتُ وما زلتُ مصدرَ سخرية واستهزاء منهم.
كان طموحي أن أكون مهندسًا، وكانتْ قدراتي العقلية تُؤَهِّلني لذلك بشهادة المعلمين، فكانوا يَصِفُونني بالذكاء، وأن لديَّ حلمًا وأهدافًا وطموحًا، لكن دُمِّرَ كلُّ شيءٍ بسبب الوساوس!
تعلمتُ التدخين، وتعاطيت المُخَدِّر ات، ثم أصبتُ بصدمة أثرتْ عليَّ عندما علمتُ أن والدي يخون والدتي مع المومسات، عرفتُ ذلك من خلال فيديو وجدتُه قدَرًا على جهاز الكمبيوتر؛ فأصبحتُ أحتقره في نفسي!
ثم مرتْ عليَّ أحداث أخرى صدمتني أكثر وأكثر، منها: مرض أخي الأصغر مرضًا شديدًا!
أصابتني لا مبالاة في حياتي، فكنتُ أمارس العادة السرية بشراهة، وكأني أنتقم.. مِمَّنْ؟ لا أعلم.
حتى دراستي تركتُها، فلم أعدْ أنتَظِم في المحاضراتِ وأهملتُها بالكلِّيَّ ة.
زاد التلعثُم عندي، وحاولتُ الذهاب إلى المُخَتصِّ ين النفسيِّين ، لكن لم أستفدْ ولم أتقدَّمْ!
علاقتي بأبي سيئة، حتى إنني أتذكَّر قسوته في مُعاملتي؛ مما دفَعني إلى أن أكرهه كرهًا شديدًا، حتى كنتُ سأترك البيت، مما زاد مِن وَحْدتي!
أطلتُ عليكم، لكن سألخص مشكلتي في النقاط الآتية: أولًا: التلعثم.
ثانيًا: ليستْ لديَّ إرادة والحياة ضبابية أمامي.
ثالثًا: الاستمرار في العادة السرية.
رابعًا: التدخين.
خامسًا: خيانة والدي لأمي.
سادسًا: الوحدة القاتلة التي أعيش فيها.

أعينوني بالنصيحة، وجزاكم الله خيرًا
الجواب

الأخ الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم في شبكة الألوكة.
مع عرضك الرائع لمشكلتك لم أشعر أنك تعاني مِن التلعثُم، نعم قد يكون هناك شيءٌ مِن التلعثُم عند النطق، لكن أفكارَك ومعانيك مُرَتَّبة، وتنساب بِسَلاسَةٍ ، وأنت على وشك تجاوُز مشكلة التلعثم بشكل كاملٍ، لكنك بحاجةٍ إلى مزيدٍ مِن التواصل مع مختص التخاطُب، ولا تيئَس؛ فقد قطعتَ أكثر الطريق، ولم يبقَ إلا القليل؛ هذا ما يخصُّ مشكلتك الأولى. أما المشاكل الثانية والثالثة والرابعة: الإرادة والعادة السرية والدخان، فبينها تلازُمٌ، فأنت بحاجةٍ إلى الإرادة الجازمة للإقلاع عن العادة السرية وعن الدخان، والإرادة هنا هي النيَّةُ المُؤَكَّد ةُ، واستَعِنْ عليها بربِّك الكريم، وذلك بالتوبة الصادقة، وسؤال الله تعالى أن يُعِينَك على نفسك، وأن يكفَّ شرَّها. ومِن أحسن الأدعية التي يُمكن أن تستعينَ بها هذا الدعاء العجيب الذي أخرجه البخاري في الأدب المُفْرَد: عن شُتَيْرِ بْنِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ، عن أبيه، قال: قلتُ: "يا رسول الله، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَنْتَفِعُ به، قال: قُلِ: اللَّهُمَّ عافني مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وبَصَرِي، ولِسانِي، وَقَلْبِي، وَشَرِّ مَنِيِّي". وننصحك كذلك بقراءة الاستشارات التي تتحدث عن كيفية التخلُّص من العادة السرية، ومُلَخَّصُ ذلك أمران: إرادة جازمة، وهي أهم ما في الموضوع. تدابير وقائية؛ كالبُعد عن الانفراد والخلوة، والانشغال بالأعمال الاجتماعيّ َة كالالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن، أو الأعمال التطوُّعيّ َة العامة، والابتعاد عن المثيرات الجنسيَّة كالأفلام ونحوها. وكذلك التدخين، فهو بحاجة إلى إرادةٍ قويةٍ لتَرْكِه، وترْكُه أسهل مِن ترْك العادة السرية، فضرُره واضحٌ على الصِّحَّة، وهو قتلٌ بَطِيءٌ للنفس؛ فهو يُشْبِهُ الانتحار مِن هذه الناحية، والعاملُ المُؤَثِّر ُ في موضوع التدخين هم الأصدقاء، فلا تصحَبْ أصدقاءً مُدَخّنين، وابتعدْ عنهم؛ لئلا يغروك به مرة أخرى. أما المشكلةُ الخامسةُ: وهي مشكلةُ خيانة الوالد للوالدة، فلا شك أنها مشكلةٌ كبيرةٌ فعلًا. وموقفُك في هذه المشكلة ينبغي أن يكونَ كالتالي: هذه مشكلةٌ تخصُّ الوالدَ، ولا ذنب لك فيها، ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى، فلا تلُمْ نفسك على فِعْلِ غيرك. لا بد مِن التأكُّد تمامًا مِن ملابَسات الحادثة، فربما كانت وهْمًا، وأنت لم تُوَضِّحْ طبيعة الفيديو الذي رأيته، هل هو لوالدك (أي يظهر فيه)؟ أو إنه فيديو لأشخاص آخرين؟ لو تأكدت مِن هذه الحادثة، فهنا لا يَسَعُك السكوت، ولكن عليك بالحكمة في علاج الأمر، فلو كانت الوالدة من النوع الذي يتفهَّم هذا الموضوع، ولن تكبرَ المشكلة، فأرْسِلْ لها بعض الإشارات التنبيهية بخصوص الوالد حتى تُتابعه وتنهاه عما هو فيه، ويُفَضَّل أن يكونَ ذلك تلميحًا لا تصريحًا. أما مشكلتك السادسة، وهي وَحْدَتُك التي لن يملأها إلا شخصٌ عزيز عليك كزوجة أو والدة، فهذا كلام سليمٌ، وعلاج الوحدة هنا يكون بأمرين: السعي للتخلُّص مِن الوَحْدة بالانشغال بالأعمال الاجتماعية ، ومشاركة الأصدقاء في أعمال خارجيةٍ؛ كالأعمال التطوُّعية ، أو الالتحاق بنادٍ رياضيٍّ، ونحو ذلك. الزواج مطلوبٌ، لكن هذا خاضعٌ لظروفك المادية، وتوفُّر البيئة المناسبة لذلك، وحتى موعد جاهزيتك، يمكنك الاستعانة بالصوم، خاصَّة ثلاثة أيام مِن كل شهر؛ للتخفيف مِن لوعة الشهوة والحاجة إلى الزوجة.
سَعِدْنا بسماع مشكلتك، ولا بأس بالإطالة حتى تشرحَ مشكلتك بشكلٍ واضحٍ ومُفَصَّلٍ ، وكلنا آذان صاغية.
وفَّقك الله، ويَسَّر أمرك