المناهج الجديدة 2018 / 2019 :

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، لا إله إلا الله وحدهُ، صدق وعدهُ ونصر عبدهُ وأعز جندهُ وهزم الأحزاب وحدهُ، لا إله إلا الله ولا نعبدُ إلا إياهُ، مُخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صلِ على سيدنا محمدٍ، وعلى آل سيدنا محمدٍ، وعلى أصحاب سيدنا محمدٍ، وعلى أنصار سيدنا محمدٍ، وعلى أزواج سيدنا محمدٍ، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ، وسلم تسليمًا كثيرً **** كل عام وجميع الأمة الإسلامية بخير

facebook

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من تشديدات القرآن

  1. #1
    مشرف سابق الصورة الرمزية abomokhtar
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    4,025

    01 (2) من تشديدات القرآن

    تقديم:بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصَحْبه ومن والاه؛ وبعد:
    فإن في القرآن الكريم[ ] كلمات مشددة، مع جوازها بغير التشديد، بل في قراءات بغير تشديد.. فما دلالة هذا التشديد؟ وما فائدة أن تكون مشددة في قراءة ومخففة في قراءة أخرى؟
    وكم كنت أقف عند بعضها مُتَأَمِّل اً، ومتسائلاً؛ لماذا هذا التشديد، ولماذا في القراءة الأخرى بدونه؟ يغلبني فكري في طَرْق المعاني، ولا أسمح له بالاسترسال ، حتى لا يَجُرَّني لِأَنْ أقولَ في القرآن برأيي، إلى أن أذن الله سبحانه بخطِّها. ومن خلال بحث هذا الموضوع، فإننا نرجو أن يجعل الله ذلك إضافة لخدمة كتاب الله تعالى، ببيان إعجازه في هذا المجال، فضلا عمَّا فيه من فوائد هذه التشديدات في مجال العلم والعمل[ ] ، ومن خلال مطالعة مواضع هذا النوع من التشديد في القرآن، لاحظتُ أن هذا التشديد يأتي لعدة أغراض؛ منها:1- تعدد المعنى: فتأتي الكلمة في قراءة مشددة لتدل على معنى، وتأتي مخففة لتدل على معنى آخر، فتصير الآية وكأنها آيتين. فتزداد بلاغة القرآن الكريم بكثرة المعاني والأحكام في قليل الآيات، ولو نزلت كلُّ كلمة في آية مستقلة لتضاعف عدد الآيات، فيكون في حفظه زيادة جهد وتكليف.
    2- التعدد[ ] : تعدد الحدث أو تعدد الفعل، أو تعدد الأمر...
    3- التكرار: تكرر الشيء أو الفعل، وهو يشبه التعدد في أمور.
    4- التأكيد: تأكيد الفعل أو الأمر، كحال التشديد في نون التوكيد المشددة.
    5- بيان شدة الفعل والوصف؛ كشدة الغضب مثلا أو الحقد أو التعذيب أو التذبيح والتقتيل؛ ونحو ذلك.
    وسنحاول بيان شيءٍ من ذلك في هذه التشديدات القرآنية، مستعينين بالله سبحانه، سائلينه التوفيق، وأن يحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
    وقد وجدتها ماتعة، ليست المتعة اللغوية والبلاغية فحسب، وإنما وراء ذلك أيضًا لطائف تربوية، ولفتات منهجية، وإشاراتٌ علمية، ولقطات تشخيصية تجسيمية، تُصّوِّر لك بعبارة قصيرة أو بكلمة وحيدة شخوصًا متحركة، ومشاهدَ حيَّة، وكأنك تشاهد ذلك رأي العين، لا أنك تقرأها مجرد كلمات، وتلك هي خاصية التعبير القرآني الفريد، المُنزَّل من لدن عليم حكيم حميد.
    1- يُـمَـسِّـ كـون، يُمسِكونتَمَسَّكْ بشِدة وخُذْ بقوة.

    قال تعالى: {وَالَّذِين َ يُمَسِّكُو نَ بِالْكِتَا بِ وَأَقَامُو ا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِح ِينَ} [الأعراف:17 0]
    {وَالَّذِين َ يُمَسِّكُو نَ بِالْكِتَا بِ} أي بالتوراة، أي بالعمل بها، يقال: مسك به وتمسَّك به أي استمسك به.
    قراءة عامة القرَّاء: {يُمَسِّكُو نَ}؛ بتشديد السين، مع فتح الميم.وقرأ أبي بن كعب: {والذين تَمَسَّكوا بالكتاب} ، على الماضي وهو جيد لقوله تعالى: {وَأَقَامُو ا الصَّلاة} إذ قَلَّ ما يعطف ماض على مستقبل إلا في المعنى.وقرأ أبو العالية وعاصم في رواية أبي بكر: {يُمْسِكُون} بالتخفيف من أمسك يمسك.،أي بدون تشديد السين، مع إسكان الميم.وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه : {والذين استمسكوا بالكتاب} .قال القرطبي: والقراءة الأولى أولى، لأن فيها معنى التكرير والتكثير للتمسك بكتاب الله تعالى وبدينه فبذلك يمدحون.
    فالتمسك بكتاب الله والدين يحتاج إلى الملازمة والتكرير لفعل ذلك.
    قال سيد قطب[ ] : إن الصيغة اللفظية: {يُمَسِّكون}.. تُصَوِّرُ مدلولاً يكاد يحس ويُرى.. إنها صورة القبض على الكتاب بقوة وجد وصرامة.. الصورة التي يحب الله أن يؤخذ بها كتابه وما فيه.. في غير تعنت ولا تنطع ولا تزمت.. فالجد والقوة والصرامة شيء والتعنت والتنطع والتزمت شيء آخر. إن الجدّ والقوة والصرامة لا تنافي اليسر ولكنها تنافي التميع! ولا تنافي سعة الأفق ولكنها تنافي الاستهتار! ولا تنافي مراعاة الواقع ولكنها تنافي أن يكون (الواقع) هو الحكم في شريعة الله! فهو الذي يجب أن يظل محكوماً بشريعة الله!.{الذين يمسكون} ... هو تعريض بالذين أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه؛ ثم هم لا يتمسكون بالكتاب الذي درسوه، ولا يعملون به، ولا يُحَكِّمُو نه في تصوراتهم وحركاتهم؛ ولا في سلوكهم وحياتهم. . غير أن الآية تبقى - من وراء ذلك التعريض - مطلقة، تعطي مدلولها كاملاً، لكل جيل ولكل حالة.

    والتمسك بالكتاب في جد وقوة وصرامة؛ وإقامة الصلاة- أي شعائر العبادة- هما طرفَا المنهج الرباني لصلاح الحياة.. والتمسك بالكتاب في هذه العبارة مقرونًا إلى الشعائر يعني مدلولًا معينًا. إذ يعني تحكيم هذا الكتاب في حياة الناس لإصلاح هذه الحياة، مع إقامة شعائر العبادة لإصلاح قلوب الناس. فهما طرفان للمنهج الذي تصلح به الحياة والنفوس، ولا تصلح بسواه.
    والإشارة إلى الإصلاح في الآية: {إنا لا نضيع أجر المصلحين}.. يشير إلى هذه الحقيقة؛ حقيقة أن الاستمساك الجاد بالكتاب عملاً، وإقامة الشعائر عبادة هما أداة الإصلاح الذي لا يضيع الله أجره على المصلحين.وما تفسد الحياة كلها إلا بترك طرفي هذا المنهج الرباني.. ترك الاستمساك الجاد بالكتاب وتحكيمه في حياة الناس الفردية والجماعية؛ وترك العبادة التي تصلح القلوب[ ] ؛ فتطبق الشرائع دون احتيال على النصوص، كالذي كان يصنعه أهل الكتاب؛ وكالذي يصنعه أهل كل كتاب، حين تفتر القلوب عن العبادة فتفتر عن تقوى الله..إنه منهج متكامل؛ يقيم الحكم على أساس الكتاب؛ ويقيم القلب[ ] على أساس العبادة.. ومن ثم تتوافى القلوب مع الكتاب؛ فتصلح القلوب، وتصلح الحياة.إنه منهج الله، لا يعدل عنه ولا يستبدل به منهجًا آخر، إلا الذين كتبت عليهم الشقوة وحق عليهم العذاب!.وقد قال النبي[ ] صلى الله عليه وسلم: «عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا، وسترون من بعدي اختلافا شديدًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة» (الألباني[ ] ؛ السلسلة الصحيحة، برقم: [2735]). فإذا كُنًّا مأمورين بالعضِّ على السنة بالنواجذ، وليس أطراف الأسنان فقط، فما بالك بالقرآن الكريم.

    ولا بد أن نؤكد أن التَّمسك بالكتاب يعني بالقرآن والسنة، لأنهما لا يفترقان، ولا يتناقضان ما ثبتا. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يغصبهم بمثل قراه» (الألباني، صحيح الجامع وزيادته، رقم: 2641)
    وما هانت الأمة وضاعت إلا بتركها التَّمسُّك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بما فيهما من عقائدة وشرائع وأحكام وأخلاقيات.التمسّك بالكتاب، وأخذه بقوّة، والعضّ على ما جاء فيه بالنواجذ كما في الحديث، لا بمجرد أطراف الأسنان... وإلاّ فالفتنة عاتية، وسيولها عارمة جارفة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها؛ كما قال إمام دار الهجرة مالك رحمه الله.نسأل الله تعالى حسن الإسلام وصدق الإلتزام.ومع شدّات أخرى قادمة إن شاء الله تعالى
    أبو محمد بن عبد الله




  2. #2
    مشرف سابق الصورة الرمزية abomokhtar
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    4,025

    افتراضي رد: من تشديدات القرآن

    (2)- اِثَّــاقل تمقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْت ُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم ْ بِالْحَيَا ةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}[التوبة[ ] :38].أصل "النفر "، مفارقة مكان إلى مكان لأمرٍ هاجَه على ذلك. وهو هنا طلب النفير، وإعلان حالة الاستنفار لتلبية النداء والاستجابة للأمر.{اثّاقلتم إلى الأرض}: قال المفسرون: معناه أَثَّاقلتم إلى نعيم الأرض، أو إلى الإقامة بالأرض.وهو توبيخ على ترك الجهاد[ ] وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض.وأصله تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها. ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتابًا على تخلف من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام. وذلك أن النبي[ ] صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس، وشدة من الحر، حين طابت الثمار والظلال، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا، ومفاوز هائلة، وعدوًّا كثيرًا، فجلَّى للمسلمين أمْرَهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فشقّ عليهم الخروج وتثاقلوا فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ }؛ أي: قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم-: {انْفِرُوا}؛ أخرجوا في سبيل الله {اثَّاقَلْت ُمْ إِلَى الأرْض}، أي: لزمتم أرضكم ومساكنكم.وذلك بدء العتاب للمتخلفين والتهديد بعاقبة التثاقل عن الجهاد في سبيل الله، والتذكير لهم بما كان من نصر الله لرسوله ، قبل أن يكون معه منهم أحد ، وبقدرته على إعادة هذا النصر بدونهم ، فلا ينالهم عندئذ إلا إثم التخلف والتقصير.وهذه الكلمة فيها قراءات:ففي قراءة ابن مسعود، والأعمش: {تثاقلتم} [انظر:زاد المسير 2/ 259 وابن عطية3/ 24]وفي قراءة الجمهور {اِثَّاقلتم}. قال أبُو البقاءِ: اثَّاقلتم: ماضٍ بمعنى المضارع أي: ما لكم تتثاقلون؟!وقرئ : {أثَّاقَلْت ُمْ} على الاستفهام للإنكار والتوبيخ [البيضاوي: 3/ 81].فما التَّثاقل؟ !التثاقل تكلّف الثقل، أي إظهار أنّه ثقيل لا يستطيع النهوض، والثِقَل حالة في الجسم تقتضي شدّةُ تَطَلُّبِه ِ للنزول إلى أسفل، وعُسرَ انتقاله، وهو مستعمل هنا في البطء مجازًا مرسلًا، وفيه تعريض بأنّ بُطأهم ليس عن عجز، ولكنّه عن تعلّق بالإقامة في بلادهم وأموالهم.وعُدّي التثاقل بـ {إلى} لأنّه ضمن معنى المَيل والإخلاد، كأنّه تثاقل يطلب فاعله الوصول إلى الأرض مِنْ بُعْدٍ للقعود والسكون بها.وقد يستقل لفظ واحد -لا عبارة كاملة- برسم صورة شاخصة، إنّ لفظًا مفردًا هو الذي يرسم الصورة، تارة بجرسه الذي يلقيه في الأذن، وتارة بظله الذي يلقبه في الخيال، وتارة بالجرس والظل جميعًا.تسمع الأذن كلمة "اثَّاقلتم " في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْت ُمْ إِلَى الْأَرْضِ} فيتصور الخيال ذلك الجسم المثاقل، يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط من أيديهم في ثقل. إن في هذه الكلمة "طنًّا " على الأقل من الأثقال! ولو أنك قلت: تثاقلتم، لخف الجرس، ولضاع الأثر المنشود، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ، واستقل برسمها.[التصوير الفني في القرآن، سيد قطب[ ] ، 91-92].ومجموع قوله: {اثَّاقلتم إلى الأرض} تمثيل لحال الكارهين للغزو المتطلّبين للعُذر عن الجهاد كسلًا وجبنًا بحال من يُطلب منه النهوض والخروج ، فيقابل ذلك الطلب بالالتصاق بالأرض، والتمكّن من القعود، فيأبى النهوض فضلاً عن السير.قال سيد قطب: إنها ثقلة الأرض، ومطامع الأرض، وتصورات الأرض، ثقلة الخوف على الحياة، والخوف على المال، والخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع. ثقلة الدعة والراحة والاستقرار وثقلة الذات الفانية والأجل المحدود والهدف القريب.. ثقلة اللحم والدم والتراب.. والتعبير يلقي كل هذه الظلال بجرس ألفاظه {اثَّاقلتم}. وهي بجرسها تمثل الجسم المسترخي الثقيل، يرفعه الرافعون في جهد فيسقط منهم في ثقل! ***قيها بمعنى ألفاظه: {اثاقلتم إلى الأرض} وما لها من جاذبية تشد إلى أسفل وتقاوم رفرفة الأرواح وانطلاق الأشواق.وما يحجم ذوعقيدة في الله عن النفرة للجهاد في سبيله، إلا وفي هذه العقيدة[ ] دخل، وفي إيمان صاحبها بها وهن. لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من شعب النفاق[ ] »(مسلم؛ صحيح مسلم[ ] ، برقم:[1910])، فالنفاق- وهو دخل في العقيدة يعوقها عن الصحة والكمال- هو الذي يقعد بمن يزعم أنه على عقيدة عن الجهاد في سبيل الله خشية الموت[ ] أو الفقر، والآجال بيد الله، والرزق من عند الله. وما متاع الحياة الدنيا[ ] في الآخرة إلا قليل.إذن: اثَّاقلتم: تكلف الثقل والتثاقل.. أي أبدى وكأنه عليه حملاً ثقيلاً لا يستطيع النهوض به؛ فيسرع مع المسارعين، وينفر مع النافرين، ولا يستطيع التخلي عنه ونفضه لمكانه في نفسه.. وهو في الحقيقة ثقل جواذب الدنيا المتنوعة.. وهو من هذه الحيثية ثقل حقيقي لكنه معنوي..واثَّاقلتم : تصنعتم التثاقل فمن متثاقل بمكتسبات (دينية) ومن متثاقل بمكتسبات دنيوية..لي أغنام أو إبل أنتظر نتاجها وأخلافَها، لي شركات ومصانع أنتظر نتاجها..لي حلقات تدريس؛ يلتف الناس حولي فيها بأمان، وتنكسر إليَّ أعناقُهم، لا أريد النفير عنها..لي تلاميذ كُثُر بين يديَّ أو من وراء الشاشات، تمتلئ بهم نفسي، كما تمتلئ نفوس أصحاب السلطان بكراسيهم التي يحكمون بها الناس، فيعز عليَّ نفض هذا الثقل لأنفر مع النافرين، ولو لكلمة حقٍّ عند سلطان جائر!لنا مكتسبات دعوية من خطب متاحة ومنابر مرتاحة وقنوات مباحة، تثَّاقل نفوسُنا .. لكن إذا أراد الباطل نحى ذلك بجرة قلم.. ولو كنت ممن خدموه أو داهنوه أو هادنوه، أو باركوا له سفك دماء المسلمين، لأن الباطل لا يهادن الإسلام، ولو هادنه الإسلام.وللحق فإن النفير هنا في الجهاد حين كان الجهاد قائما شرعيًّا صحيحًا.. لأن سبب النزول يدل على أنها كذلك، لكن القاعدة أن "العبر ة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب" كما هو معروف في أصول الفقه[ ] .. ومن ثَمَّ فإن كل ما كان في سبيل الله تعالى من أعمال الخير، وخاصة ذات النفع العام، فإنها داخلة تحت الدعوة[ ] لهذا النفير، والمسلمون مأمرون أن ينفروا في سبيل الله إليها، لطلب العلم النافع[ ] ، للدعوة إلى الله، لهداية الناس وتعليمهم الخير، لأعمال التطوع التي تنفع البلاد والعباد، للقيام في مصالح الناس– الأقربين منهم والأبعدين-، والإنفاق على الفقراء والمساكين والمرضى، الإنفاق من العلم، ومن المال، ومن الجاه والوجاهة في الشفاعات الخيرية التي يرضاها الله، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء» (لبخاري، برقم:[1432]، ومسلم، برقم:[2627]، في صحيحيهما). ..كلَّها من سبيل الله سبحانه، وكلها تَثَّاقل عنها النفوس والأبدان، فيتعلل المُثَّاقِ لون لتركها بشتى العلل العليلة، والأثقال الثقيلة..وهكذا يوضِّح لنا القرآن الكريم[ ] بهذه الشَّدة شِدَّة التثاقل عن طاعة الله تعالى، والتعلل والتحايل، وتكلُّف الموانع واصطناع المعذير، وما الأمر إلا ثقلة الطين وحمأته قد غلبت ما سكنها من نفوس وما حوت من أرواح، فهوت بها عن عالم الصفاء والوفاء بيعة عقدها الله سبحانه مع الصفوة من عباده: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِن ِينَ أَنْفُسَهُ مْ وَأَمْوَال َهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُ ونَ وَيُقْتَلُ ونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَا ةِ وَالْإِنْج ِيلِ وَالْقُرْآ نِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْش ِرُوا بِبَيْعِكُ مُ الَّذِي بَايَعْتُم ْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]، وإذا تم البيع على الأنفس ما دونها أولى.والله أعلم.مراجع المنقول-عدا المقول- تفاسير:الطبري، القرطبي، ابن عطية، زاد المسير، البيضاوي، أبو حيان، ابن كثير[ ] ، فتح القدير، ابن عاشور، سيد قطب، أبو بكر جابر الجزائري ، وفي ظلال القرآن لسيد قطب، والتصوير الفني في القرآن له أيضًا.



  3. #3
    مشرف سابق الصورة الرمزية abomokhtar
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    4,025

    افتراضي رد: من تشديدات القرآن

    3- وفيكم سَمَّــاعو ن لهمقال الله تعالى:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّو ا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَ هُمْ فَثَبَّطَه ُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِ ينَ، لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَ عُوا خِلَالَكُم ْ يَبْغُونَك ُمُ الْفِتْنَة َ وَفِيكُمْ سَمَّاعُون َ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِ مِينَ}[التوبة[ ] :46-47].
    يكشف الله سبحانه دسيسة بعض الناس، ويكشف كذبهم وتظاهرهم بالخير وإرادة الإصلاح؛ والمتمثل هنا في الخروج للجهاد في سبيل الله مع المسلمين.
    وبُيَن أن برهان صدق إرادتهم هو ما يظهر من العمل لا ما يضمرون في صدورهم أو يدّعونه فقط... لوْا أرادوا.. لأَعدُّوا. .

    والطامة، والخزي أن الله سبحانه هو الذي كره انبعاثهم فثبطهم، ولم يقل كرهوا .. مما يدل على خبث طويتهم وفساد نيتهم من جهة.. وأيضًا رحمة من الله بالصف المؤمن؛ لأنَّ خروج هؤلاء هم سبب للفتنة والهزيمة والخبال والاختلال والاختلاف. .

    فلا يحزن المسلمون أنْ لم يخرج معهم أناس مِن أنواع الناس كره الله انبعاثهم: عسكراً كانوا، أو سياسيين، أو دعاة، أو طلبة علم، مشايخ ومشهورين، أو إعلاميين.. كلّ أولئك قد يكون خروجهم مع المسلمين كما وصف الله حال هؤلاء.. وصدور الناس وبطون الأيام غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه، يكشفه حين يشاء؛ حكمة ورحمة، وقد قال الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِن ِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَ كُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُو ا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[آل عمران:179]

    ولستُ أقصد من هذه الآيات هنا إلا قوله تعالى:{وفيكم سمَّاعون لهم}، وما يتصل بها.

    فحتى خروج هؤلاء الأوباش والفَتَنَة والمخبِّلي ن والمثبطين والمبطِّئي ن إنما يضر الصف ويفعل فعلته في وجود هولاء "الـسّـماع ين"، ولذلك أردف الله تعالى وجود السماعين بعد ذكر أضرار هؤلاء كالتعليل له، يعني هم يفعلون هذا وأنتم فيكم من يسمع لهم ويتأثر بهم..

    وهذه الجملة {وفيكم سمَّاعون لهم} جملة اعتراضية، أي: اعتراض للتنبيه على أنّ بغيهم الفتنة[ ] َ أشدّ خطرًا على المسلمين؛ لأنّ في المسلمين فريقًا تنطلي عليهم حيلُهم، وهؤلاء هم السُّذَّج من المسلمين والمغفلون والمستغفلو ن والمستخَفّ ُون الذين يعجبون من أخبارهم ويتأثّرون بها، ولا يبلُغون إلى تمييز التمويهات والمكائد عن الصدق[ ] والحقّ، فيذيعونه في الصف، خاصة مع وجود سيل وسائل الإعلام النشَّارة. .

    والقلوب الحائرة تبث الخور والضعف في الصفوف، والنفوس الخائنة خطر على الجيوش؛ ولو خرج أولئك المنافقون والضِّعاف ما زادوا المسلمين قوة بخروجهم، بل لزادوهم اضطرابًا وفوضى. ولأسرعوا بينهم بالوقيعة والفتنة والتفرقة والتخذيل؛ وفي المسلمين من يسمع لهم في ذلك الحين .

    سامع وسمّاع، وقائل وقوَّال وعالم وعلاّم...و فاعل وفعَّال مبالغة للقوة أو الكثرة، أي كثير الفعل أو شديدَهُ.. شديد الاستماع أو كثير الاستماع..

    فجاء {سـمَّاعون} مشددة بصيغة مبالغة للدلالة على أنّ استماعهم كثير وتامّ وشديد وقوي، سواء كان استماعهم مقترنًا بتصديق واعتقاد، أو لضعف شخصية تُصَدِّق الخبرَ ونقيضَه، أو لاندساس مقصود مُبَيَّت، كما في الآية الأخرى: {سمَّاعون للكذب سمَّاعون لقوم آخرين}[ المائدة : 41 ]، وكأنه ديدن لهم.
    وعن الحسن، ومجاهد، وابن زيد: معنى {سمّاعون لهم}، أي جواسيس يستمعون الأخبار وينقلونها إليهم، وقال قتادة وجهور المفسّرين: معناه وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم. أي من ضعاف المسلمين.

    وجيء بحرف {فــي} من قوله: {وفيكم سمَّاعون لهم} الدالّ على الظرفية دون حرف (مــن)؛ فلم يقل و(منكم سمّاعون) لهم أو (ومنهم سمَّاعون)، لئلا يتوهّم تخصيص السَّمَّاع ين بجماعة من أحد الفريقين دون الآخر؛ لأنّ المقصود أنّ السّمّاعين لهم فريقان: فريق من المؤمنين وفريق من المنافقين أنفسهم مبثوثون بين المؤمنين لإلقاء الأراجيف والفتنة وهم الأكثر فكان اجتلاب حرف {فــي} إيفاءً بحقّ هذا الإيجاز البديع، ولأنّ ذلك هو الملائم لمَحْمَلَي ْ لفظ {سمَّاعون } فقد حصلت به فائدتان.
    ولا مانع من اجتماع الأمرين وتواجد النوعين، بل هذا هو الذي يحتمله معنى الآية ونطق به المفسرون وصدّقه الواقع..

    أناسٌ من المندسين والمندسات؛ السَّماعين والسّمّاعا ت في الأوساط النسائية والرجالية، همهم تَسَمُّع أخبار الناس ثم الطيران بها إلى الأسياد الذين يعيثون في الأرض فسادًا وإفسادًا؛ من أجل عروشهم وقروشهم وكروشهم..

    أو أنهم يبثون الأراجيف في أوساط المؤمنين، من بث فرقة وإنشاب خلاف، وتشكيك، ونزع الثقة من بينهم، وإلقاء الشبهات، وتضخيم أمر العدو لتغزو الهزيمة النفسية قلوب المؤمنين.. .

    ثم أناس من ضعاف الإيمان[ ] وضعيفاته، ومن المغفلين والمغفلات، والسُّذّج منهم جميعًا، يسمعون لهؤلاء، فيتأثرون بهم، فيكونون هم أيضًا أسبابًا لمثل تلك الفتن[ ] والهزائم، ويكونون مُكَثِّرين لسواد المندسين؛ لا كثَّرهم الله تعالى.
    أو أنهم يسمعون منهم زخرف قولهم ومعسول كلامهم فيثقون بهم، فيدلونهم على عورات المسلمين أو إفشاء أسرارهم، لظنهم أنهم معهم وهم عليهم..كل أولئك كائنون.. وكل ذلك كائن...

    ولعل دولة الحق تستعين بمخبريها للحفاظ على أمن وأمان العباد والبلاد، منضبطة بضوابط الشريعة[ ] ، حافظة لحقوق الناس وخصوصياتهم ، متجافية عن التجسس والتَّسمُّ ع.. ثم إن المبخرين للتحقيق في الضرر الواقع والتصدي للمتوَقّع. . ولكن المؤسف أن يعمل هؤلاء -في غير دولة الحق- على إيقاع الأمر المراد، ثم إلصاقه بالأبرياء لتحقيق رغبة الطغمة... وكأنهم في حرب ضد تجمعات وطنها، ولو كانت على الإسلام.. بل هي كذلك. وقد أصبح النفاق[ ] مؤسسات أمنية قائمة بذاتها، تحمي عروش الظَّلمة، وتعمل لصاح الطبقة، لا لصالح آبائهم وأمهاتهم من الشعوب.
    السَّمَّاع ون الذين فينا، منهم مَن ليسوا منَّا، ولكنهم دخلاء مندسين، يتجلببون بمظاهرنا، وينتطقون بألسنتنا، ولكن بواطنهم علينا، ومنهم مَن هم مِنَّا، ينشدون غايتنا، ويحاولون سِكَّتنا، ولكن قَصُرت بهم الهمم، وضَحُلَت منهم الأفهام، وضَعُفَت لديهم البصائر، فكانوا معاول هدم في أيدي الدخلاء، يهدمون بها أحلام السالكين، ومتفجرات، يفجرون بها جماعاتهم في كل منعطف يكونون أحوج ما كونون إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة!نحتاج إلى نصمَّ أحد أذنيهم لئلا يسمعوا بها عنهم، بينما يجب أن نفتح منهم الأذن الأخرى لنسمعهم أحسن القول وأطيب الكلام، لعلهم يهتدون.وببلاغة القرآن الكرين هذه نكون قد أخذنا أبلغ نصيحة في حماية الصف من الداخل.
    اللهم سَلِّمنا وسلِّم الناس منا.
    مراجع المنقول-عدا المقول-: تفاسير:
    الطبري، القرطبي، ابن كثير[ ] ، فتح القدير، ابن عاشور، سيد قطب[ ] .. وغير ذلك
    والله أعلم



المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •