الطلاق

محاور المحاضرة: أولاً: مفهوم الطلاق. ثانياً: أدلة مشروعية الطلاق. ثالثاً: الحكمة من تشريعه. رابعاً: سبب جعل الطلاق بيد الرجل. خامساً: هل الأصل في الطلاق الحظر أم الإباحة؟ المحور الأول: مفهوم الطلاق الطلاق في اللغة رفع القيد مطلقاً، سواء كان حسياً أو معنوياً، وأما في الاصطلاح فقد تعددت تعاريفه عند الفقهاء: أولاً: فعرفه الحنفية بأنه: " رفع قيد النكاح حالاً أو مآلاً بلفظ مخصوص ". ثانياً: وعرفه المالكية بأنه: " صفة حكمية ترفع حلية تمتع الزوج بزوجته موجباً تكررها مرتين زيادة على الأولى للتحريم ". ثالثاً: وعرفه الشافعية بأنه: " حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه ". رابعاً: وعرفه الحنابلة بأنه: " حل عقد النكاح أو بعضه ". المحور الثاني: أدلة مشروعية الطلاق الأصل في مشروعية الطلاق: الكتاب، والسنة، والإجماع، والمأثور، والمعقول: أولاً: فأما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاك ٌ بِمَعْرُوف ٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان ٍ ﴾ [البقرة: 229]. وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُم ُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُو هُنَّ لِعِدَّتِه ِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾ [الطلاق: 1] وقوله تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُم ُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُ نَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُو هُنَّ ﴾ [البقرة: 236]. ثانياً: وأما السنة فمنها ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ". ومنها ما أخرجه أبو داود في سننه عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها. ثالثاً: وأما الإجماع فقد أجمع علماء الأمة سلفها وخلفها على جواز الطلاق، ونقل الإجماع ابن قدامة في المغني، والخطيب الشربيني في مغني المحتاج. رابعاً: وأما المأثور فالمروي أن بعض الصحابة طلقوا زوجاتهم، ولم ينكر عليهم أحد من الصحابة، ولو كان غير جائز لأنكروا على من طلق صنيعه لما عرف عنهم غيرة وتحر للحق، وجرأة في القول. ومما روي في ذلك أن عمر بن الخطاب طلق أم عاصم، وطلق عبد الرحمن بن عوف زوجته تماضر، وطلق المغيرة بن شعبة زوجاته الأربع. خامساً: وأما المعقول: فإن العشرة إذا فسدت بين الزوجين وتعذر الإصلاح فلا بد من اختيار أحد الأمور الآتية: بقاء الحياة الزوجية مع النفرة والضغينة. أن تبقى الزوجية قائمة مع التفريق بينهما جسدياً فتصير المرأة كالمعلقة. أن يفرق بينهما بالطلاق فيغنيهما الله من فضله بالزواج من زوج آخر يجد عنده ما افتقده عند صاحبه الأول. المحور الثالث: الحكمة من تشريعه يعد نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية من محاسن هذه الشريعة ومن دلائل واقعيتها وعدم إغفالها مصالح الناس في مختلف ظروفهم وأحوالهم، وباين ذلك أن الشريعة الإسلامية مع حثها على الزواج وترغيبها فيه وحرصها على بقاء الرابطة الزوجية إلا أنها لم تغفل عن واقع النفوس وطبيعتها وما قد يعتريها من تغير يؤدي إلى المنافرة والخلاف، ولا يسلم من ذلك الزوجان، وقد يستعصي حل الخلاف وإزالة النفرة فيما بينهما، فلا يكون الحل إلا بافتراقهما ؛ لأن هذا الفراق أولى من بقاء الرابطة الزوجية مع الخلاف والنفرة بين الزوجين، فتكون المصلحة في حقهما في هذه الحالة هو وقوع الفرقة ولهذا شرع الطلاق، وفي هذا المعنى يقول ابن عاشور في مقاصده: " والمقصد الشرعي فيه – أي الطلاق – ارتكاب أخف الضرر عند تعسر استقامة المعاشرة، وخوف ارتباك حالة الزوجين، وتسرب ذلك إلى ارتكاب حالة العائلة، فكان شرع الطلاق لحل آصرة النكاح ". والحقيقة أن أسباب الطلاق كثيرة جداً كما يقول المتخصصون في علم الاجتماع، ومرجعها حسب رأينا ما يأتي: أولاً: سوء الاختيار من قبل الطرفين، وهذا السبب يعد أكثر الأسباب تأثيراً وانتشاراً في حالات الطلاق. ثانياً: سوء المعاشرة الزوجية، وهذا يتضمن مظاهر متعددة، منها: عدم إشباع الحاجة الجنسية، عدم تحمل المسؤولية الاجتماعية ، انعدام التفاهم. ثالثاً: الحرمان العاطفي بين الزوجين بانشغال أحدهما عن الآخر، أو الانعزالية بين الزوجين. رابعاً: البعد الاقتصادي، التفاوت في التربية المعيشية بين الزوجين من حيث اختلاف البيئة الناشئة لكل منهما. خامساً: سوء الأخلاق، واختلاف الطبائع وتباين الأخلاق بين الزوجين وتغ*** الميول. سادساً: العنف الجسدي والمعنوي بإلحاق الأذى بالزوجة قولاً أو عملاً أو قولاً وعملاً. سابعاً: وجود عيوب جسمية وخلقية بالزوجين أو أحدهما، أو وجود مرض يمنع الإنجاب. المحور الرابع: سبب جعل الطلاق بيد الرجل إذا كان نظام الطلاق قد شرع لمصلحة الزوجين حال اختلافهما وعدم اتفاقهما على استمرار عقد الزوجية بينهما على نحو يستعصي فيه الحل، فقد يقال لماذا جعل الطلاق بيد الرجل، ولم يكن بيد المرأة وهي مثله في عقد النكاح؟ والجواب على ذلك من وجوه: الأول: إن القوامية بين الزوجين هي للرجل على امرأته وليس العكس، قال تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَ الِ عَلَيْهِنّ َ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]. الثاني: إن الطلاق أمر خطير جداً، لأن فيه حل الرابطة الزوجية وإنهاء عقد الزواج الذي عقد في الأصل ليكون مستمراً، فلا يجوز التعجل في إنهاء العقد، والعجلة تأتي من طبيعة الإنسان وسرعة غضبه وتوقد عاطفته عند الغضب والخصام، وإذا كانت هذه الصفات مشتركة بين الرجل والمرأة، إلا إن من الملاحظ الذي يؤيده الواقع أن الرجل أكثر احتمالاً وصبراً على ضبط عواطفه وانفعالاته وكظم غضبه من المرأة، وبالتالي هو أولى منها بإعطائه حق الطلاق؛ لأنه لا يستعمله لأدنى انفعال وغضب. ثالثاً: إن الطلاق يحمل الزوج تبعات مالية كالمهر المؤجل ونفقة العدة، وأجرة الرضاعة والحضانة إن كان له طفل أو أطفال من زوجته المطلقة، وهذا كله مما يحمل الزوج على التأني وعدم العجلة في تطليق زوجته، وربما تزول أسباب طلاقها في حالة تأنيه وعدم عجلته، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُو هُنَّ بِالْمَعْر ُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُ وهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وحتى لو طلق فإنه يستطيع إرجاعها خلال العدة إذا تبين له خطأ ما أقدم عليه. رابعاً: جعل الطلاق بيد الرجل لا يعني انسداد سبل الخلاص منه إن أراد الإضرار في إمساكها، إذ تستطيع أن تطلق التفريق عن طريق القضاء للضرر أو للشقاق. خامساً: إن للمرأة أن تشترط عند عقد الزواج لنفسها حق الطلاق، فإذا رضي الزوج بهذا الشرط وانعقد بهذا الشرط صار لها حق تطليق نفسها بإرادتها. المحور الخامس: هل الأصل في الطلاق الحظر أم الإباحة؟ اختلف الفقهاء في بيان الأصل في الطلاق على قولين: الأول: الأصل في الطلاق الإباحة: وقد ذهب إليه بعض الفقهاء، قال القرطبي في تفسيره: " دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن الطلاق مباح غير محظور "، وقال الكاساني في الدر المختار: " وإيقاع الطلاق مباح عند العامة لإطلاق الآيات وهو المذهب "، وقد استدلوا بقوله تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُم ُ النِّسَاءَ ﴾ [البقرة: 236]، وقوله تعالى: ﴿ فَطَلِّقُو هُنَّ لِعِدَّتِه ِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، وقد طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها، وقد طلق غير واحد من الصحابة كعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم، وغيرهم. الثاني: الأصل في الطلاق الحظر: وقد قال بهذا القول أكثر الفقهاء، قال الكاساني: " إن النكاح عقد مسنون.. فكان الطلاق قطعاً للسنة وتفويتاً للواجب، فكان الأصل هو الحظر والكراهة إلا أنه رخص للتأديب أو التخليص "، وقال في الفتاوى الهندية: " الطلاق محظور نظراً إلى الأصل، ومباح نظراً إلى الحاجة "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة "، وقد استدلوا بجملة من الأدلة، منها: في الطلاق بلا سبب مشروع كفران النعمة، في الطلاق بلا حاجة إيذاء للمرأة ولأهلها ولأولادها، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق "، لا يصح سنداً. والراجح أن الأصل في الطلاق الحظر ولا يباح إلا للحاجة المعتبرة شرعاً.