السؤال

ملخص السؤال:
فتاة أمُّها تعمل ومالها حرامٌ، والفتاةُ تدرُس، وتستشير في أمرِها: هل تأكل مِن هذا المال أو لا؟ كما تقدَّم لها رجلٌ متزوجٌ، ويريد الزواجَ منها، وتسأل: هل تترُك دراستها وتتزوج أو لا؟
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. لقد ابتُلِيتُ في والدتي، فهي تعملُ، والمالُ الذي نعيش به حرامٌ، وأبي لا يرعانا، ولا يُنْفِقُ علينا، وقد استشرتُ أحدَ الشيوخ - جزاهم الله خيرا - مِنْ قَبْلُ، وقال: لن تُحاسَبي على ما أكلتِه مِن مال حرامٍ في صِغَرِك، لكن الآن وبعد أن أصبحتِ راشدةً، لا بد مِن أن تبحثي عن رزق حلالٍ! وأنا ما زلتُ أدرس، وبَقِي لي عامٌ على التخرُّج، وليس لي مكانٌ آتي منه بالمال الحلال، وقد وجدتُ عملًا بسيطًا، لكن الأجر قليل جدًّا، ولا يكفي لدفْع وسائل النقْل أو كتُب دراستي، هذا أولًا. ثانيًا: تقدَّم لي رجلٌ متزوِّج، ولديه أطفالٌ، وهو أكبر مني بخمس عشرة سنة، وقد أخبرتُه بأني بحاجةٍ إلى العمل حتى بعد الزواج لأرسل لوالدتي وإخوتي مالًا حلالًا، ووعدني بأن يساعدني!
أنا في حيرةٍ مِن أمري؛ هل أوقف دراستي وأتزوَّج مِن هذا الرجل؟ أو أُكْمِل دراستي حتى أتخرَّج بالمال الحرام، وأعيش به، ثم أعوض ذلك المال الحرام بالحلال بعد أن أعملَ وأُنْفِق منه على إخوتي؟
الجواب

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ: فإن كانتْ أمُّك حقًّا أيتها الابنة الكريمة تعمل عملًا مُحَرَّمًا ، والمالُ الذي تُحَصِّله منه مُحَرَّمًا ، فيجب عليك نُصْحها، وأن تبيني لها خطورة ذلك. أما ما تُنفقه أمك عليك من المال الحرام، فلك أن تقبليه؛ لأنك مُضْطَرَّة لق***ه، لعدم قدرتك على العمل، وليس لك مصدرُ رزقٍ آخر، ومن شرط التكليف الاستطاعة، وأنت لا تستطيعين التكسُّب الآن، ومِن ثَمَّ يجوز لك أن تقبلي ما تندفع به ضرورتك من المأكل والمشرب والملبس وما شابه، وأن تُكملي منه دراستك. ولا يتردَّد عالمٌ في القول بجواز ما أقوله لك؛ لأنه يَصْدُق عليك وصفُ الحاجة والفقر، وهما مناطُ جواز النفقة من المال الحرام على نفسك، وفي إكمال الدراسة. فالمالُ الحرامُ إنما يَحْرُم على صاحبه، وعلى من يجد غيره من المال الحلال، وتجب عليه التوبةُ النَّصُوح على مكتسب الحرام، والتي مِن شُروطها: أن يخرجَ من هذا المال ويجعله في مصالح المسلمين، فيُنفق على الذين لا يجدون ما ينفقون؛ مِن الفقير والمساكين، وأنت أيتها الابنة الكريمة لا تجدين ما تنفقين، فيجوز لك الأخْذُ منه وبلا تردُّد. أما فتوى الشيخ فقد عرف شيئًا وغابتْ عنه أشياء، فأصاب في نصفها الأول، وأخطأ في النصف الآخر، فأكل المضطر مِن المال الحرام، ومن لم يجد غيره، لا خلاف فيه بين أهل العلم، كذلك لا يختلف العلماء في أنه لا يجب على مَن أكل من الحرام قضاء ذلك المال بعدما يُيَسِّر الله له حاله. أما مسألة الزواج مِن هذا الرجل، فالذي يظهر أنه غير مناسب لك، فاصرفي النظر عنه حتى تُكملي دراستك، ويأتيك مَن هو مناسبٌ لك.
رزقنا الله وإياك رزقًا حلالًا، وقدَّر لك الخير حيث كان