تفسير قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَا ءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَا ءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُون َ
سورة البقرة - الآية: (13)

إعراب مفردات الآية [1]: (وإذا قيل لهم) سبق إعرابها في الآية رقم (11). (آمنوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون و(الواو) فاعل و(الكاف) حرف جر "1" (ما) مصدرية (آمن) فعل ماض (الناس) فاعل مرفوع. والمصدر المؤوّل من (ما) والفعل في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق أي آمنوا إيمانا كإيمان الناس. (قالوا) فعل ماض وفاعله (الهمزة) للاستفهام الإنكاري (نؤمن) فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (كما آمن السفهاء) تعرب مثل: كما آمن الناس. ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَا ءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُون َ ﴾ تعرب كالآية مفردات وجملاً. ا.هـ روائع البيان والتفسير: ﴿ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ ﴾ قال القرطبي في تفسيرها" ما مختصره: يعني المنافقين في قول مقاتل[2] وغيره وفي تفسير ﴿ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ ﴾ قال: أي صدقوا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرعه، كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب. اهـ[3] وقال السعدي في تفسيرها: أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس، أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان، قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله - الصحابة رضي الله عنهم، بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان، وترك الأوطان، ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك، فنسبوهم إلى السفه; وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الح** والنهى.اهـ[4] ﴿ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاء ُ ﴾ قال القرطبي أيضاً في بيانها: وهذا القول من المنافقين إنما كانوا يقولونه في خفاء واستهزاء فأطلع الله نبيه والمؤمنين على ذلك، وقرر أن السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هي في حيزهم وصفه لهم، وأخبر أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون للرين الذي على قلوبهم.اهـ[5] وزاد ابن كثير - رحمه الله - في جزئية الآية المذكورة أنفاً بيانًا فقال: "يعنون - لعنهم الله - أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم، قاله أبو العالية والسدي في تفسيره، بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة، وبه يقول الربيع بن أنس[6]، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم [7] وغيرهم، يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء!!". والسفهاء: جمع سفيه، كما أن الحكماء جمع حكيم والحلماء جمع حليم. ثم قال – رحمه الله -: والسفيه: هو الجاهل الضعيف الرّأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار؛ ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء، في قوله تعالى: ﴿ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَا ءَ أَمْوَالَك ُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5] قال عامة علماء السلف: هم النساء والصبيان اهـ[8] ﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَا ءُ.. ﴾ قال السعدي - رحمه الله -: فرد الله ذلك عليهم، وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة، لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه، وسعيه فيما يضرها، وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا، معرفة الإنسان بمصالح نفسه، والسعي فيما ينفعه، وفي دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على الصحابة والمؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان، لا بالدعاوى المجردة، والأقوال الفارغة. اهـ[9]. ﴿ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُون َ بين تفسيرها ابن العثيمين فقال - رحمه الله-: أي لا يعلمون سفههم؛ فإن قيل: ما الفرق بين قوله تعالى هنا: ﴿ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُون َ ، وقوله تعالى فيما سبق: ﴿ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُون َ ﴾؟ فالجواب: أن الإفساد في الأرض أمر حسي يدركه الإنسان بإحساسه، وشعوره؛ وأما السفه فأمر معنوي يدرك بآثاره، ولا يُحَسُّ به نفسِه[10].

[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق ( 1 /53).
[2] مقاتل بن سليمان الخراساني مولى الأزد، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة وبها مات بعد خروج الهاشمية، كنيته أبو الحسن، قال ابن حبان في "المجروحين " (3|14): كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان شَبَهياً يشبه الرب بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث. وقال أحمد بن حنبل: "كان له علم بالقرآن". وقال ابن المبارك: "ما أحسن تفسيره لو كان ثقة". وقال محمد الذهبي في "الإسرائيل يات" (ص90): "تفسير مقاتل يحوي من الإسرائيلي ات والخرافات وضلالات المشبهة والمجسمة ما ينكره الشرع ولا يقبله العقل". أما عن تفسيره فنري من الأهمية بيان كلام الذهبي فيه لكثرة الأستشهاد بأقواله في تفاسير جليلة منها تفسير ابن كثير هذا. قال الذهبي في "التفس ير والمفسرون" (1|119): "إن هذا التفسير الموضوع، لو نظرنا إليه من ناحيته الذاتية، بغض النظر عن ناحيته الإسنادية، لوجدنا أنه لا يخلو من قيمته العلمية. لأنه مهما كثر الوضع في التفسير، فإن الوضع ينصب على الرواية نفسها. أما التفسير في حد ذاته، فليس دائماً أمراً خيالياً بعيداً عن الآية. وإنما هو -في كثير من الأحيان- نتيجة اجتهاد علمي له قيمته. فمثلاً من يضع في التفسير شيئاً، وينسبه إلى عليّ أو ابن عباس، لا يضعه على أنه مجرد قول يلقيه على عواهنه، وإنما هو رأي له، واجتهاد منه في تفسير الآية، بناء على تفكيره الشخصي. وكثيراً ما يكون صحيحاً. غاية الأمر أنه أراد لرأيه رواجاً وق***اً، فنسبه إلى مَن نُسب إليه من الصحابة. ثم إن هذا التفسير المنسوب إلى عليّ أو ابن عباس، لم يفقد شيئاً من قيمته العلمية غالباً، وإنما الشيء الذي لا قيمة له فيه هو نسبته إلى علي أو ابن عباس. فالموضوع من التفسير -والحق يقال- لم يكن مجرد خيال أو وهم خُلق خلقاً. بل له أساس ما، يهمّ الناظر في التفسير درسه وبحثه، وله قيمته الذاتية وإن لم يكن له قيمته الإسنادية" . وينتبه أن مقاتل هذا ليس هو مقاتل بن حيان الإمام العالم المحدث الثقة أبو بسطام النبطي البلخي الخراز، فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه توفي في حدود الخمسين ومئة وعاش مقاتل بن سليمان المفسر الضعيف بعده أعوامًا.
[3] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة (1 /205 ).
[4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 /43 ).
[5] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة ( 1 / 205).
[6] الربيع بن أنس ابن زياد البكري الخراساني المروزي بصري سمع أنس بن مالك وأبا العالية الرياحي وأكثر عنه والحسن البصري وعنه سليمان التيمي والأعمش والحسين بن واقد وأبو جعفر الرازي وعبد العزيز بن مسلم وابن المبارك وآخرون وكان عالم مرو في زمانه وقد روى الليث عن عبيدالله بن زحر عنه ولقيه سفيان الثوري قال أبو حاتم صدوق وقال ابن أبي داود سجن بمرو ثلاثين سنة قلت سجنه أبو مسلم تسعة أعوام وتحيل ابن المبارك حتى دخل إليه فسمع منه يقال توفي سنة تسع وثلاثين ومئة حديثه في السنن الأربعة - نقلا عن سير اعلام النبلاء للذهبي.
[7] عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم العمري المدني أخو أسامة وعبدالله وفيهم لين وكان عبدالرحمن صاحب قرآن وتفسير جمع تفسيراً في مجلد وكتاباً في الناسخ والمنسوخ وحدث عن أبيه وابن المنكدر روى عنه أصبغ بن الفرج وقتيبة وهشام بن عمار وآخرون توفي سنة اثنتين وثمانين ومئة-نقلا عن سير أعلام النبلاء للذهبي (8/349).
[8] تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 /182 ).
[9] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 43).
[10] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 22 ).