فوائد من حديث

(يا أبا عمير)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فعن أبي التياح، عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير - قال: أحسبه - فطيم، وكان إذا جاء قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا أبا عُمير، ما فعل النُّغير؟) )؛ نُغَر كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا؛ أخرجه البخاري رقم (5850)، ومسلم رقم: (2150). أقول: هذا هو أصل حديث أبي عمير - والذي جعلناه عنوانًا لهذا المقال - وله روايات وزيادات أخرى، ولقد نبه جملة من العلماء على فوائد قصة أبي عمير هذه بخصوصها؛ لكثرتها، حتى قال البغوي في شرح السنة (12/ 347): "وفي هذا الحديث فوائد وأنواع من الفقه"، ومعروفة هي تلك القصة التي تروى عن الإمام الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وفيها: أن الإمام الشافعي بات ليلة كاملة صلى فيها الفجر بوضوء العشاء؛ يفكر في هذا الحديث، وكيف أنه استنبط منه أكثر من مائة وعشرين مسألة، أو نحوها. وممن نبه على فوائد قصة أبي عمير هذه: أبو حاتم الرازي، وهو أحد أئمة الحديث، وأحد شيوخ أصحاب السنن، ثم تلاه الترمذي في الشمائل، ثم الخطابي، ومنهم - أيضًا - ابن القاص؛ ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى (3/ 59) لتاج الدين السبكي، وأصل هذه الفوائد هي منه، وهو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري، المعروف بابن القاص، الفقيه، الشافعي، صاحب التصانيف، وقد جمعها في جزء مفرد وصلت إلى الستين، وعنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/ 586)، وزاد: تتبع طرقه ورواياته، وذكر كل فائدة زائدة منها، وقد قال الحافظ قبل ذلك: "وذكر ابن القاص في أول كتابه: أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها، ومثَّل ذلك بحديث أبي عمير هذا، قال: وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجهًا، ثم ساقها مبسوطة، فلخصتها مستوفيًا مقاصده، ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه". أقول: فجمعت ولخصت جملة من تلك الفوائد؛ رجاءَ الفائدة والنفع. تنبيه: وقبل أن أشرع في سردها أذكر قول العراقي كما في شرح الترمذي - وعن الحافظ نقلته - حيث قال: من هذه الأوجه ما هو واضح، ومنها الخفي، ومنها المتعسف، كما نبه على أن ما ذكره - أي: ابن القاص - من الفوائد المتعلقة بجمع الطرق لا خصوصية لها بهذا الحديث، وقد نقل قوله هذا الحافظ كالمقر له؛ ولهذا وجب التنبيه. وإلى سرد هذه الفوائد، ومنها: 1. استحباب التأني في المشي. 2. زيارة الإخوان. 3. جواز زيارة الرجل للمرأة الأجنبية إذا لم تكن شابة وأمنت الفتنة. 4. تخصيص الإمام بعض الرعية بالزيارة. 5. مخالطة بعض الرعية دون بعض. 6. مشي الحاكم وحده. 7. أن كثرة الزيارة لا تنقص المودة. 8. أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((زر غبًّا، تزدد حبًّا))؛ أخرجه الطبراني عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، وضعفه الحافظ في الفتح (10/ 498)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 350) بمجموع طرقه - مخصوص بمن يزور لطمع. 9. أن النهي عن كثرة مخالطة الناس مخصوص بمن يخشى الفتنة أو الضرر. 10. مشروعية المصافحة، وتخصيص ذلك بالرجل دون المرأة. 11. أن الذي ذكر في صفته صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه كان شَثْنَ الكفين))؛ أخرجه الترمذي في الشمائل عن علي رضي الله عنه، وصححه الألباني - خاصٌّ بِعَبَالة الجِسم، لا بخشونة اللمس. 12. استحباب صلاة الزائر في بيت المزور، ولا سيما إن كان الزائر ممن يتبرك به. 13. جواز الصلاة على الحصير، وكذا البسط. 14. ترك التقزز؛ لأنه علم صلى الله عليه وآله وسلم أن في البيت صغيرًا، وصلى مع ذلك في البيت وجلس فيه. 15. أن الأشياء على يقين الطهارة؛ لأن نضحهم البساط إنما كان للتنظيف. 16. أن الاختيار للمصلي أن يقوم على أروح الأحوال وأمكنها، خلافًا لمن استحب من المشددين في العبادة أن يقوم على أجهدها. 17. جواز حمل العالم علمه إلى من يستفيده منه. 18. فضيلة لآل أبي طلحة ولبيته؛ إذ صار في بيتهم قِبلة يقطع بصحتها. 19. جواز الممازحة. 20. جواز تكرير المزاح، وأنها إباحة سنة لا رخصة. 21. أن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة، أقول - بكر -: على أن بعضهم قيده: بما إذا قال حقًّا. 22. تكرير زيارة الممزوح معه. 23. ترك التكبر والترفع، والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر، أو في البيت فيمزح. 24. أن الذي ورد في صفة المنافق: أن سره يخالف علانيته، ليس على عمومه. 25. الحكم على ما يظهر من الأمارات في الوجه من حزن أو غيره. 26. جواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها، إذ استدل صلى الله عليه وآله وسلم بالحزن الظاهر على الحزن الكامن، حتى حكم بأنه حزين، فسأل أمه عن حزنه. 27. التلطف بالصديق، صغيرًا كان أو كبيرًا. 28. والسؤال عن حال الصديق. 29. أن الخبر الوارد في الزجر عن بكاء الصبي، محمول على ما إذا بكى عن سبب عامدًا، ومن أذى بغير حق. 30. ق*** خبر الواحد؛ لأن الذي أجاب عن سبب حزن أبي عمير كان كذلك. 31. جواز تكنية الصبي أو الصغير. 32. جواز تكنية من لم يولد له. 33. جواز لعب الصغير بالطير، وقد نُوزِع ابن القاص في الاستدلال به على إطلاق هذا، وأنه منسوخ، قال القرطبي: "والحق أن لا نسخ، بل الذي رخص فيه للصبي إمساك الطير؛ ليلتهي به، وأما تمكينه من تعذيبه - ولا سيما حتى يموت - فلم يبح قط". 34. جواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به. 35. جواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات. 36. جواز إمساك الطير في القفص ونحوه. 37. جواز قص جناح الطير؛ إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما، وأيهما كان الواقع، التحق به الآخر في الحكم. 38. جواز إدخال الصيد من الحل إلى الحرم، وإمساكه بعد إدخاله، خلافًا لمن منع من إمساكه؛ وقاسه على من صاد ثم أحرم؛ فإنه يجب عليه الإرسال. 39. جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان. 40. جواز مواجهة الصغير بالخطاب، خلافًا لمن قال: الحكيم لا يواجِه بالخطاب إلا من يعقل ويفهم، والصواب الجواز حيث لا يكون هناك طلب جواب، ومن ثم لم يخاطبه في السؤال عن حاله، بل سأل غيره. 41. معاشرة الناس على قدر عقولهم. 42. جواز قيلولة الشخص في بيت غير بيت زوجته، ولو لم تكن فيه زوجته. 43. مشروعية القيلولة. 44. جواز قيلولة الحاكم في بيت بعض رعيته، ولو كانت امرأة. 45. جواز دخول الرجل بيت المرأة وزوجها غائب، ولو لم يكن مَحْرَمًا؛ إذا انتفت الفتنة. 46. إكرام الزائر. 47. أن التنعم الخفيف لا ينافي السنة. 48. أن تشييع المَزُور الزائِرَ ليس على الوجوب. 49. أن الكبير إذا زار قومًا واسى بينهم؛ فإنه صافح أنسًا، ومازح أبا عمير، ونام على فراش أم سليم، وصلى بهم في بيتهم؛ حتى نالوا كلهم من بركته. 50. وفي تتبع طرقه من الفائدة: الخروجُ مِن خلاف مَن شَرَط في ق*** الخبر أن تتعدد طرقه. 51. الاطلاع على علة الخبر بانكشاف غلط الغالط. 52. بيان تدليس المدلس. 53. توصيل المعنعن. 54. التمييز بين أهل الفهم في النقل، وغيرهم ممن لا يهتدي لتحصيل ذلك، مع أن العين المستنبط منها واحدة، ولكن من عجائب اللطيف الخبير أنها تسقى بماء واحد، وتفضل بعضها على بعض في الأُكُل. 55. بعض المالكية، والخطابي من الشافعية، استدلوا به على: أن صيد المدينة لا يحرم. 56. وعكسه بعض الحنفية فقال: قصة أبي عمير تدل على نسخ الخبر الدال على تحريم صيد المدينة. 57. ذكر ابن بطال من فوائد هذا الحديث - أيضًا -: استحباب النضح فيما لم يتيقن طهارته. 58. أن أسماء الأعلام لا يقصد معانيها. 59. أن إطلاق الأسماء على المسمى لا يستلزم الكذب؛ لأن الصبي لم يكن أبًا، وقد دُعي أبا عمير. 60. جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفًا. 61. أن السجع في الكلام لا يمتنع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما امتنع منه إنشاء الشعر. 62. إتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه، من مأكول، أو غيره. 63. جواز الرواية بالمعنى؛ لأن القصة واحدة وقد جاءت بألفاظ مختلفة. 64. جواز الاقتصار على بعض الحديث. 65. جواز الإتيان بالحديث تارة مطولاً، وتارة ملخصًا، وجميع ذلك - في هذا الحديث - يحتمل أن يكون من أنس، ويحتمل أن يكون ممن بعده، قال الحافظ: والذي يظهر أن بعض ذلك منه، والكثير منه ممن بعده، وذلك يظهر من اتحاد المخارج واختلافها. 66. مسح رأس الصغير للملاطفة. 67. دعاء الشخص بتصغير اسمه عند عدم الإيذاء. 68. جواز السؤال عما السائل به عالم؛ لقوله: ((ما فعل النغير؟)) بعد علمه بأنه مات. 69. إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم؛ لأن جميع ما ذكر من صنيع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أم سليم وذويها كان غالبًا بواسطة خدمة أنس له. أقول: وقد ذكر العلماء من فوائده - أيضًا -: 70. مباسطة الصبي وتَأْنِيسه . 71. حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولطافة معاشرته وألفاظه. 72. جواز الدعابة ما لم تكن إثمًا. 73. الانبساط إلى الناس. 74. جواز لعب الصبيان بذوات الأرواح. 75. جواز حبس العصافير والطيور إذا كان يطعمها ولا يعذبها.