السؤال:
السلام عليكم..
أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري.. فتاة اجتماعية الحمد لله وتحب المرح.. مشكلتي هي أسرتي وخصوصا والدي.. والدي طبعه انطوائي.. لا يحب الاختلاط مع الناس أو التجمعات.. فعندما نريد الخروج إلى الأسواق أو المولات أو المطاعم أو المتنزهات مع أقربائنا.. نأخذ إذنه.. لا يرضى. ويبدأ بالصراخ على والدتي وعلينا.. أنا حقا مللت من هذا الوضع.. بدأت أكرهه.. وأشعر بالسوء.. وإذا حصل وخرجنا.. أصبح خائفة من التعامل مع الناس... وأيضا أصبحت أفضل الجلوس في البيت.. بدأت أتعلم طبعه الذي كرهته.. أنا حقا متعبة نفسيا... والدتي اعتادت على هذا الوضع.. فحتى لو أتحدث إليها بخصوص هذا الموضوع لا تبدي لي أي اهتمام.. حقا لا أعلم كيف أتعامل مع والدي.. أرجوكم ساعدوني..


الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا، أما بعد:
ابنتي الحبيبة.. كم نحن سعداء حقا باتصالك بنا عبر هذا الموقع المتميز، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك بيننا، ويسرنا اتصالك بنا دوما.
ابنتي الكريمة.. تألمت لكلمة صدرت منك تجاه أبيك (بدأت أكرهه)! فكيف لبنت مثلك أن تكره أباها لمجرد أنه يمنعها من الخروج (عندما نريد الخروج إلي الأسواق أو المولات أو المطاعم أو المتنزهات مع أقربائنا، نأخذ أذنه.. لا يرضي)، ورغم ذلك هو في بعض الأحيان يوافق (وإذا حصل وخرجنا). أي أنه أحيانا يقبل وأحيانا يرفض، فليس من المعقول أن يوافق الأب على خروج ابنته بصورة دائمة للمتنزهات والمولات دون ضوابط معينة.
بالتأكيد أبوك يرى أشياء أنت لا ****ها، ويدرك أمور لا تعيها، والشيء المؤكد أن أباك قلبه يمتلئ بحبك، بدليل خوفه عليك، بل لهفته عليك فهو بعيد النظر وصاحب تفكير عقلاني، ألم تسمعي – ابنتي الصغيرة – عن حوادث التحرش بالبنات في الشوارع والمولات والمتنزهات ؟ ألم تسمعي عن خطف البنات في وضح النهار؟ ألم تشاهدي الخلاعة والمجون والعري والمناظر المؤذية في هذه الأماكن عندما يسمح لك أبوك بالخروج؟ هل ترتاحين لمشاهدة تلك المناظر؟ أم أنك تتأذين من مشاهدتها وتعودين لبيتك وأنت تحملين مشاعر متناقضة بين حبك للخروج وولعك به، وبين بغضك ورفضك لما تشاهدين وما تتعرضين وما تسمعين؟ بالطبع هذا يحدث بدليل قولك (إذا حصل وخرجنا.. أصبح خائفة من التعامل مع الناس.. وأيضا أصبحت أفضل الجلوس في البيت). فأبوك يدرك ما يحدث في هذه الأماكن لذلك هو يخاف عليك ويحاول أن يجنبك التعرض لكل تلك الأشياء.
حقيقي إن مجتمعاتنا اليوم أصبحت تعج بمآس وحوادث تجعل الأهل يحذرون ويخافون على فلذات الأكباد. أو ربما قد تعرض هذا الأب أو إحدى قريباته لحادثة جعلته يغلق باب الثقة في كل من حوله، ويدفن هذا السر ولا يبوح به لأحد (والدي طبعه انطوائي.. لا يحب الاختلاط مع الناس أو التجمعات).
ابنتي الحبيبة.. أعتقد أنك لست بحاجة لتذكيرك بفضل الوالدين، وعظم الأجر للبار بوالديه، قال تعالى: "وَقَض َى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَا لِدَيْنِ إِحْسَاناً "[الإسراء:23] بل إن بر الوالدين من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا، "وَإِذ ْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُون َ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَا لِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَا مَى وَالْمَسَا كِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" [البقرة:83] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل استأذنه في الجهاد: "أحي والدك؟ قال، نعم، قال: "ففيهم ا فجاهد" رواه البخاري. قال ابن عباس رضي اله عنهما: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، لا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما، حتى وإن أمراك بالكفر بالله، والشرك به، قال تعالى:" وَوَصَّيْن َا الْإنْسَان َ بِوَالِدَي ْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُه ُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِد َيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَ ا وَصَاحِبْه ُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُ مْ فَأُنَبِّئ ُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون َ" لقمان:14-15.
ابنتي الصغيرة.. حقيقي البنت في مثل سنك في حاجة للخروج وفي حاجة للتنزه، لهذا أنصحك بالتحاور الهادئ مع أبيك ومعرفة وجهة نظره في الرفض المستمر، اطلبي منه أن يحدد لك الأقرباء الثقات الذين يرتاح لهم ولأخلاقهم لتخرجي معهم، وماذا لو خرجت معك أمك أو إحدى أخواتك، وماذا أيضا لو خرجت العائلة مجتمعة، اعرضي عليه بعض البدائل حتى يشعر بالاطمئنان ، اطلبي منه أن يحدد المكان وزمن العودة حتى يشعر بالارتياح. . أعتقد الحوار الهادئ اللطيف وبدون عصبية مع الأب سيثمر انفراجه في موقفه ولو قليلة، وسيجعله يفكر مرة ثانية ويراجع موقفه.. أثبتي لأبيك بالمواقف الإيجابية والعملية أنك قد أصبحت كبيرة وعاقلة وتتحملي المسؤولية، وذلك بتولي بعض المهام وإتمامها على أكمل وجه. شاركي في إبداء وجه نظرك المتزنة في بعض المواضيع التي تطرح في البيت.. وعند خروجك من البيت تفقدي ملبسك وحجابك وعليك بغض بصرك، واحذري أن تتعطري أو أن يصدر منك تصرف أو سلوك وأنت في الخارج كأن تضحكي بصوت أو تتحدثي مع أغراب أو تتبسطي في التعامل مع الناس.
ابنتي الغالية.. التزامك بما أشرت إليه سيعلي قدرك ويثمن موقفك وستجدين تغيرا ملحوظا في التعامل مع أبيك، وسيتلاشى مبدأ الرفض المستمر من أبيك شيئا فشيئا، ولا تنس أن تقوية صلتك بالله، والمحافظة على العبادات، والتقرب إلى الله بالطاعات، والمداومة على قراءة القرآن، ستجدين معها الأنس والسلوى، أكثري من الاستغفار والحوقلة، وحافظي على أذكار الصباح والمساء، وخاصة عند النوم، استمري على الأذكار حتى تنامي.
وفي الختام.. كم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح حالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك، وأن يزيدك صلاحًا وتقىً، وأن لا يحرمك بر والدك، إنه جواد كريم.