تعريفه:الجورب: هو ما يلبسه الإنسان في قدميه، سواء كان مصنوعًا من الصوف أو القطن أو الكتان أو القماش أو نحو ذلك، وهو ما يُعرف (بالشراب)، والمسح: هو إمرار باطن اليد على الشيء الممسوح بسطًا.ونعرف المسح على الجوربين بأنه: إمرار باطن اليدين على الجوربين في وقت محدد شرعًا بدل غسل الرِّجلين في الوضوء.ملاحظة: المسح على الجوربين - مثل الخفين - خاص بالوضوء دون الغسل؛ أي: إنه لا يجوز لمن لبس جوربيه على طهارة إذا حصلت معه جنابة أن يغتسل ويمسح عليهما، بل لا بد من أن ينزعهما ويغتسل غسلًا كاملًا بالماء.حكم المسح على الجوربين:للعلماء في حكم المسح على الجوربين ثلاثة أقوال:الأول: أنه لا يجوز المسح عليهما إلا أن يكون عليهما نعل جلد، وهو مذهب أبي حنيفة (ثم رجع عنه)، ومالك والشافعي، قالوا: لأن الجورب لا يسمى خفًّا، فلا يأخذ حكمه.الثاني: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكونا صفيقين (ثخينين) سا**** محل الفرض، وهو مذهب الحسن وابن المسيب وأحمد بن حنبل والصاحبين أبي يوسف ومحمد.الثالث: يجوز المسح على الجَوربين مطلقًا ولو كانا رقيقين: وهو ظاهر مذهب ابن حزم، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجَّحه ابن عثيمين وابن باز والشنقيطي.قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (المسح على الجوارب - وهي الشراب - قد ورد فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحَّ عن غير واحد من الصحابة أنه مسح على الجوارب، ولو قدرنا أنه ليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أثر عن الصحابة، فإن القياس الصحيح الجلي يقتضي جواز المسح على الجوربين - أي الشراب - وذلك لأننا نعلم أن الحكمة من جواز المسح على الخفين هي المشقة التي تحصل بخلعهما عند الوضوء، ثم غسل الرِّجل، ثم إدخالها وهي رطبة، فإن في ذلك مشقة من جهة النزع واللبس، ومن جهة إدخال الرِّجل وهي رطبة، وهذه الحكمة المعقولة الواضحة تكون تمامًا في الجوربين؛ فإن في نزعهما مشقة، وفي إدخالهما والرجل رطبة مشقة أخرى؛ لذلك نرى أن النص والنظر كلاهما يدل على جواز المسح على الجوربين، ولكن هل يشترط في الجوربين - أي الشراب - أن يكونا صفيقين بحيث لا يرى من ورائهما الجلد أو لا يشترط؟ هذا محل خلاف بين العلماء، منهم من قال: يشترط أن يكونا ثخينين لا يصفان البشرة، وإنه لو حصل خرق ولو يسير فإنه لا يجوز المسح عليها، ومنهم من قال: يشترط أن يكونا ثخينين يمنعانِ وصول الماء إلى الرجل وإن لم يكونا سا****، وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين إذا كانا من النايلون الشفاف، ومنهم من قال: لا يشترط ذلك كله، وأنه يجوز المسح على الجوربين الرقيقين، ولو كان يرى من ورائهما الجلد، ولو كانا يمكن أن يمضي الماء منهما إلى القدم، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه لا دليل على الاشتراط، والحكمة من جواز المسح موجودة في الرقيقين، كما هي موجودة في الثخينين، وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين الخفيفين، كما يجوز على الجوربين الثَّخِيني ن).وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن حُكم المسح على الجوربين المخرق والخفيف؟ فأجاب رحمه الله: (القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي تُرى من ورائه البشرة؛ لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساترًا؛ فإن الرِّجل ليست عورة يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المُكلَّف والتسهيل عليه، بحيث لا نُلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول: يكفيك أن تمسح عليه، هذه هي العلة التي من أجلها شُرع المسح على الخفين، وهذه العلة - كما ترى - يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل).مشروعية المسح على الجوربين:أ - ثبت جواز المسح على الجوربين في أدلة، منها: حديث المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)؛ (رواه أبو داود، وصححه الألباني).ب - ثبت عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم مسحوا على الجوربين، قال أبو داود في سننه: (ومسَح على الجوربين عليُّ بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس).وجمهور الأئمة جوزوا المسح على الجوربين؛ فالإمام أبو حنيفة رحمه الله كان يقول طيلة حياته بعدم جواز المسح على الجوربين إلا في الأسبوع الأخير، فقال بجواز المسح على الجوربين، وقال لعوَّاده قبل موته بثلاثة أيام أو بسبعة: فعلتُ ما كنتُ أنهى عنه.وقال الترمذي: (وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم تكُنْ نعلين إذا كانا ثَخينين).ملاحظة هامة: أحكام المسح على الجوربين هي نفس أحكام المسح على الخفين السابق بيانها.مسألة هامة: ماذا يترتب من أحكام المسح على من لبِس أكثر من جورب؟هذا له حالات:1 - إذا توضأ ثم لبِس جوربين، ثم أحدث؛ فإن حُكم المسح يكون للجورب الأعلى، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والشافعي في القديم، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء.غير أن الشيخ ابن عثيمين أفتى بأن من توضأ ثم لبس جوربين فإن له إذا أحدث أن يمسح على أي منهما؛ لأنه لبسهما على طهارة.2 - إذا توضأ ولبس جوربين، ثم مسح عليهما، ونزع الأعلى بعد المسح، جاز له إتمام المدة بالمسح على الأسفل؛ لأنه يصدُقُ عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين.3 - إذا توضأ ولبس جوربًا واحدًا ثم أحدث ومسح عليه ثم لبس عليه جوربًا آخرًا، فإن المسح يستمر على الجوارب الأولى، ولا يجزئ على الجوارب الفوقانية؛ لكون حكم المسح تعلق بالجوارب الأولى، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء.غير أن مذهب المالكية والقديم عند الشافعية وما يقول به الشيخ ابن عثيمين: يصح أن يمسح على الثاني؛ لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين، لكن يمسح عليه بقية المدة، لا يبدأ من جديد، غير أنه إذا مسح على الثاني تعلق الحكم به، فإذا نزع الثاني فلا يمسح على الأول، بل عليه الوضوء بالماء.4 - إذا لبس الجورب على طهارة ثم أحدث ولبس آخر، فإنه يمسح على الأول لا على الثاني؛ لأنه لبس الأول على طهارة، أما الثاني فلبِسه على غير طهارة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة.ثالثًا: المسح على النعلين: تقدم حديث المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)؛ (رواه أبو داود، وصححه الألباني).وقد اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في جواز المسح على النعلين، والراجح أنه يجوز المسح عليهما، وهو مذهب جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم، وقال به طائفة من أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، إلا أنه قيده بالنعل التي يشق نزعها إلا بيد ورجل، وما ذهب إليه شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - من تقييد النعلين بهذا القيد هو الظاهر؛ لأن الظاهر من حكمة المسح على الخفين والجوربين هي مشقة النزع والحاجة، وهذا لا يكون إلا في النعل التي يشق نزعها إلا باليد والرجل؛ كالخفين والجوربين، أما النعل التي تنزع بدون ذلك بمجرد رفع الرجل عنها أو إخراجها بسهولة، فحكمة المسح غير متحققة، فلا يجوز أن يترك غسل القدمين في الوضوء، الذي هو ركن من أركان الوضوء الوارد في تركه الوعيد، من غير سبب، وأيضًا من تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته - رضي الله عنهم - يظهر له أن نعالهم كانت لا تنزع إلا باليد.وخلاصة أقوال الفقهاء في المسح على الأحذية أو النعال أن المسح لا يخلو من حالين:1 - إن كانت الأحذية تغطي الكعبين: فهذه حكمها حكم الخف قطعًا في جواز المسح عليها إن كانت طاهرة.2 - وإن كان من الأحذية التي لا تغطي محل الفرض: فتظهر الكعبين وأعلى القدم، وهي ما تسمى (جزمة، كندرة)، وهذه لها أحوال:أ - إن لبسها على القدم مباشرة بدون جورب، فلا يصح المسح عليها على الراجح، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء؛ لأنها لا تغطي محل الفرض، وتظهر جزءًا أصيلًا من القدم.ب - أما إن لبسها على جورب فيكون حكمها وحكم الجورب واحدًا، وتأخذ حُكمَ مَن لبس جوربًا فوق جورب، فإذا لبس النعلين فوق الجوارب - وهو على طهارة - جاز المسحُ على النعلين - مع أنها لا تستر محل الفرض غالبًا - لأنهما صارا كشيء واحد.إلا أننا نرى أن النعال التي في زماننا يمر الناس بها في الشوارع والطرقات، وربما تعلق بها نجاس،ة تجعل المسح عليها غير جائز؛ فالأحوط أن تنزع ويمسح على الجوربين، والله تعالى أعلى وأعلم.ملاحظة هامة: ليس هناك فرق بين الرجال والنساء في أحكام المسح المبينة أعلاه؛ فالأصل أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء، وأن ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل يدل على افتراقهما.
المفضلات