[frame="2 10"]
صحبة كتاب الله هذا المحور الإيماني من أسس حياة المسلم، فعندما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام عليّ رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه: {إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَج ُ مِنْهَا يارَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللهِ}{1}


فعليك بالقرآن فإنه حبل النجاة الذى أنزله في الأكوان فإن أهل الصلاح والتقوى في زماننا هذا احتاروا كيف يسوقون المريدين ليستمرُّوا في تلاوة كتاب الله، ولا يقفوا مثلما يفعلون بعد رمضان، فيقرأوا ما تيّسر منه بعد رمضان، لأننا نرى بعضهم بعد أن ينتهي رمضان - وبعضهم قبل إنتهائه بيومين أو ثلاثة أيام - يترك تلاوة القرآن .. لماذا؟! هل وجدت الخير في غيره؟ هل وجدت البرَّ في تركه؟ هل وجدت خيراً في ترك الإستمرار في تلاوته وقراءته؟


ألم تتنزَّل عليك الخيرات؟ ألم تأتك البركات؟ ألم يُحطك الله بالعطاءات والنفحات؟ لماذا تتركه؟ عليك بالقرآن، والقرآن يسَّره الله لنا في هذا الزمان كما قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } القمر17
لا تستطيع القراءة؟ .. تسمع


وقد وفَّر لك سماعه في كل مكان، فإذا ركبت السيارة تسمعه من مُسجّل السيارة، أو المُسجّل الذى معك .. أصبح في هذا الزمان مُيسّر سماعه بالمحمول الذى معك .. فهل تُوجد الآن مشكلة؟ تريد أن تقرأ لا مانع، أو تريد أن تسمع لا مانع. فانظر إلى الحُجَّة التى عليك الآن؟ فهذه حُججٌ عليك .. معك ال****** وتستطيع أن تُنزّل عليه القرآن، وأنت راكب، وأنت جالس ستسمعه، في الطعام وفي الشراب، وكلنا معنا ******ات، فما الذي يمنعك؟! فتحتاج أن تقرأ وتتدبّر: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } القمر17
فالقرآن يا إخواني في هذا الزمان هو حصن الأمان.


وأيضاً دوام الإجتماع على الصادقين فإنه حصن حفظ حصين وأمين، لماذا؟ لأنهم الذين صدقوا في اتباعهم للنبىِّ الأمين، وهم يحفظون الخلق في هذا الزمان من الخزعبلات الفكرية، ومن الموجات الإلحادية، ومن الأفكار النفسية، التى لا تليق بالعبد مع ربِّ البريَّة، ومن كل الأشياء المُخزيّة، ولذلك قال لنا الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِ ينَ} التوبة119


والسرُّ في ذلك ..أنَّ الإنسان دائماً يتشاكل - وإن لم يدرِ - مع من يخالطه ويجالسه ويصاحبه، فلا توجد عدوى تعدي الإنسان مثل الأخلاق والسلوكيات التي ينقلها من الجالسين، وتلاحظونها في أى مكان، فتنتقل لك طريقة كلامه وطريقة مزاحه، أو حتى تناوله للموضوعات، فتنتقل إليك العدوى وأنت لا تشعر. ولذلك أنا في بلدتي أبحث عمن أجالسه - بشرط أن لا يشغلنى عن الله - فلا أجد!! فماذا أفعل؟ أخذت من حديث النبي قوله: {لِيَسَعْك َ بَيْتُكَ}{2}
فأجلس في بيتى، وهو مفتوحٌ لمن يأتيني، ولكن ليتكلمّ في مسألة شرعية أو دينية أو في مسألة شخصية {بصورة مُبسطة وليست تفصيلية} فلا مانع، أما إذا كان سيشغل الوقت في كذا أو كذا فأقول له: أنا ليس عندي وقت أضيعه


فأنا في الحقيقة مُفلس، فكيف أذهب إلى الله وأنا مُفلس؟ فلا أريد أن أبذّر ما بقي من العُمر، ولكن أدبِّر بعض الأمور، ربما تسألني وتقول لي: كيف تكون مفلساً وأنت تُصلىّ وتصوم؟ أقول لك: أنا لا أدرى هل قُبِلَتْ صلاتى وصيامي أم لا؟ فالعبرة بالق***، فإذا ضمنت الق*** انتهى الأمر، ولكن لا أضمن الق***، فأنا خائف من أن يقولون لي هناك: {وَقَدِمْن َا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَ اهُ هَبَاء مَّنثُوراً } الفرقان23
اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، من يضمن الق***؟ نعم، مع وجود الأمل - والحمد لله - ولكن لا بد من العمل


فيحفظ الإنسان نفسه أولاً من الخطأ والزلل، وهو المهم، ولا يضمن الإنسان العصمة والحفظ من الزلل وهو جالسٌ مع الهالكين أو البُعداء التُعساء، فلن يصلح لأنه أحياناً اللسان يتكلم، وأنت تريد أن توقفه ولا تستطيع، لأنه يستمّر في الكلام، إذاً كيف يكون الحفظ؟ هو في مجالس الصادقين، أما رفقاء السوء فنبتعد عنهم بالكلية، ولذلك سأل رجل الإمام أبا العزائم رضي الله عنه وأرضاه وقال له: أنا أريد أن أسلك الطريق إلى الله، أريد روشتة بسيطة، فماذا أفعل؟ قال له: {طريقنا هو: مصاحبة الأخيار، ومفارقة الأشرار، والسير على المناهج والسنن والآثار}


فهل يصّح أن أجالس الأخيار والأشرار معاً؟ لا، لا بد من مصاحبة الأخيار ومفارقة الأشرار، ولا أريد منك أكثر من ذلك، فأساس كل شيءٍ أنك أولاً تُصاحب الأخيار، وتُفارق الأشرار، فصُحبة الصادقين تنفع وترفع إن شاء الله تعالى.



{1} أخرجه البزار فى مسنده عن عليّ رضي الله عنه
{2} مجمع الزوائد، عن عبد الله بن مسعود

[/frame]