ملخص السؤال:
فتاة عمرُها 15 عامًا، أعجبت بمعلمها وتعلم أنَّ ما تفعله خطأ، ولكن لا تستطيع أن تنساه، وهي تبحث عن حل لهذه المشكلة.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا فتاة عمري 15 عامًا، لدينا معلمٌ جادٌّ، وذو أخلاق رائعة، وقد أعجبت به وأحببتُه، وأشعر بتأنيب ضمير بسبب هذا الحبِّ، فأنا متدينة، وأعلم أنَّ ما بداخلي مِن شعور لا يجب أن أشعرَ به، لكن ماذا أفعل؟لا أستطيع أنْ أنساه، أو أن أصبحَ قويةً أمامه، أشعُر برغبةٍ قوية في أن يكونَ بجانبي!لم أكن أحبُّ المادة التي يدرسها لي، لكنني أدرسها رغمًا عني لأنال إعجابه، وفعلاً الحمد لله أنا مِن المتفوِّقا ت.أعرف أني مُخْطئة، ولكن هذا ليس بيدي، فلا أستطيع أن أمنَع عيني مِن النظَر إليه، وفي المقابل أحتَقِر نفسي كثيرًا، فأنا أعرف أنني مُخطئة وأبي وأمي لم يُرَبِّيان ي على هذا، بل رَبَّياني على الأخلاق، وكيف أغضُّ بصري عن الرجال، لكن المشكلة أنني عندما ألْمَحه يبدأ قلبي بخفقان شديدٍ، أصبحتْ نفسيتي مريضة للغاية.
فماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيرًا
الجواب

ابنتي الفاضلة، أرحِّب بك في شبكة الألوكة، وأسأل الله تعالى أن يُسددنا في تقديم ما ينفعك. لا يملك إنسانٌ أن يُبْعِدَ حبًّا دخَل قلبه دون استئذانٍ، لكنه يستطيع أن يُيَئِّسَ نفسه يومًا بعد يوم حتى يتخلَّص منه! اعلمي رعاك الله أن مُعلِّمك كوالدك، يَستحقُّ الإجلال والشُّكر؛ إذ يكون سببًا مِن أسباب حبِّنا للمدرسة، أو سببًا من أسباب حبِّنا لمادة دراسية معينةٍ لَم نكنْ نحبها، كما حدث معك وأحببتِ مادته التي يشرحها نتيجة إعجابك به! فهناك فارقٌ كبير يا بنتي بين شُعور الاحترام والحبِّ، وبين شُعور القدوة والإعجاب والعِشق؛ وقد جُبِل الإنسان على الانجذاب لذي الخلُق والإحسان، لكن لا يجب بحالٍ أن يتعدى ذلك حُدود الاحترام والتقدير، فلا ينقلِب الاحترام حبًّا، ولا التقدير والإعجاب عشقًا وهيامًا؛ فهو في النهاية معلمك، ونظرتك له لا يجب أن تتعدَّى كونه معلمًا! وكما أنَّ والدك لا يُعاملك إلا كابنة له مهما كان بينكما مِن الحبِّ، فكذا عليك أن تتيقَّني أنَّ مُعلمك هذا لا يُعاملك إلا كطالبة، أو أختٍ صغيرة، ولا تتعدَّى معاملته ذلك البتة، ولا يُفكِّر فيك بطريقتك، فلا تُفكري فيه بطريقتك؛ فربما كان متزوجًا وله أولاد يَسعد بهم، وربما كان مرتبطًا بخطبةٍ وله فتاتُه التي تنتظره وينتظرها ليجمعهما بيتٌ واحد، وحياة واحدة، وفي كل حال لا ينفعك حبك وعشقك، ولن تنالي إلا انشغال قلبك، وتدهْور مستواك الدراسي، وزيادة بكائك وآلامك، وتعلقك بلا شيء؛ كما تقولين: "أصبحتْ نفسيتي مريضة للغاية"! تقولين: "لا أستطيع أن أمنعَ عيني من النظر إليه...، وأشعر برغبة قوية في أن يكونَ بجانبي...، وعندما ألمحه يبدأ قلبي بخفقان شديد"، فهل مَشاعرك هذه تكون لأي رجلٍ تُقابلينه؟ ! لا يا ابنتي، فمَشاعرك هذه لها رجلٌ آخر يُحافظ عليها، ويَستحقها، ويُقدِّرها ، ولها وقتُها المناسب، فلا تجعلي قلبك أُلعوبة لكل مَن يلفت نظرك، فأنتِ جوهرةٌ، فاحمي تلك الجوهرة ولا تمنحيها لأي إنسان يُقابلك، بل لا يستحقها إلا مَن تعِب في العثور عليها، وبذَل كل غالٍ ليفوز بها. تقولين: "أعرف أنني مخطئة، وأحتقر نفسي كثيرًا، فأبي وأمي لم يُرَبِّيان ي على هذا، بل ربياني على الأخلاق، وكيف أغضُّ بصري عن الرجال". وهذه نِعْمَ التربية، لكن اعلمي أنَّ إطلاق بصرك هكذا إثْمٌ، وكلامك السابق يدلُّ على ندمك وأنك مِن بيت طيبٍ، وأصْلٍ ديِّنٍ، كما يدلُّ على أن علاقتك مع الله تعالى طيبة، فلا تُضيعي ثقة والديك فيك، ولا تُشوشي علاقتك مع الله عز وجل بانشغال قلبك بمشاغل تُودي به وبك في مَهالك لا تعلمين نهايتها! اعلمي أن الله مُطَّلع عليك، ناظرٌ إليك، أفلا تُطيعين مَن قال لك: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِ نَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِه ِنَّ ﴾ [النور: 31]. تذكَّري المفاسدَ التي يجلبها التساهُل في أمر النظر، والتي أقلُّها: انشغالُ القلب بغير طاعة الله، وذَهابُ حلاوة الطاعة، والخشوع في الصلاة؛ ولذلك نصحنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنَّ الأولى لك، والآخرة عليك))؛ أي: الأولى لا إثمَ فيها؛ لأنها عفوٌ مِن غير قصدٍ، والثانية عليك؛ أي: إثمُها وضررُها عليك. نأتي إلى كيفية التخلُّص من هذا الحب: اشغلي نفسك بطاعة الله، وبالمباح مِن الأعمال؛ فالله يُحب مَعالي الأمور، ويكره سفسافها؛ كما في الحديث الصحيح، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كل خيرٌ، احرصْ على ما ينفعك، واستَعِنْ بالله ولا تعجز))؛ رواه مسلم. استَحْضري مُراقبة الله تعالى والحياء منه، واستشعري مَعيته، وأنه يَراك، ومُطلعٌ عليك. ابتعدي عن المثيرات؛ كالصور، والأفلام، والأغاني، وانشغلي بما يملأ الوقت؛ من مطالعةٍ، أو أعمالٍ مباحةٍ، وإذا وقعتْ عينُك عليه فلا تتبعي النظرة النظرة؛ فإن ذلك يُثير الغريزة، ويهيج النفس؛ وأكرِّر لك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِ نِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِه ِمْ وَيَحْفَظُ وا فُرُوجَهُم ْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون َ ﴾ [النور: 30]. داخلك طاقةٌ عاطفية كبيرة، فلماذا لا تُحَوِّلين ها إلى طاقة إيجابية علمية، لتتفوَّقي في دراستك، ولتنفعي نفسك ودينك ومستقبلك وأسرتك، فكم تكون فرحتك وأنت من الأوائل؟ وكم تكون حسرتك وأنت من أصحاب الدرجات القليلة؟ أو - لا قدَّر الله - من الراسبات؟ فوازني بين الاثنين، واعلمي أن انشغالك به سيُؤدي بك إلى أن تكوني كذلك. حاولي قدْر الإمكان الابتعاد عنه، ولا تعرضي نفسك للنظر إليه، فكلما زاد اللقاءُ زاد الانشغال. مارسي هواياتك، واشغلي نفسك بالمفيد، فعمرُك عُمر التفوُّق والتقدُّم والتطوُّر العلمي، وليس عمر العِشق والحب، فلذلك وقتُه، وأنت الآن في بدايات فترة المراهَقة، ومن خصائصها لدى الفتيات أنها تريد أن تحبَّ وأن تُحبَّ؛ فتحب أي شخصٍ أمامها، وغالبًا ما يكون غير مناسبٍ لها، فلا تضيعي سنوات عمرك في لا شيء! قد تأخذين وقتًا لتتخلَّصي من ذلك الحب، وستُصيبك بعض الآلام والأحزان وربما البكاء، لكن في النهاية ستشفين تمامًا منه، وستصلين بعد حين إلى راحة النفس، واطمئنان القلب، ورضا الله تعالى في الدنيا والآخرة، وس**** بعد سنوات أنها كانتْ ذكريات طفولة تضحكين عليها وتعلمين خطأها، فتحمَّلي تلك الآلام والأحزان لتنعمي برضا الرحمن، ولا تعرضي نفسك أبدًا للفتنة؛ فإنها تستشرف مَن استشرف لها - كما في الأثر. الجئي إلى الله تعالى، وتقربي منه، وادعيه أن يخلصك من ذلك الحبِّ، فإنه كما قال: ﴿ قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَ جِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِ نُوا بِي لَعَلَّهُم ْ يَرْشُدُون َ ﴾ [البقرة: 186]. ردِّدي دائمًا: (يا مُقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك)، و: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصْلِح لي شأني كله، ولا تَكِلْني إلى نفسي طرفة عينٍ)، و: (رب أعِنِّي ولا تعنْ عليّ، وانصرني ولا تنصرْ عليَّ، وامكرْ لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسِّر الهدى إليَّ، وانصرني على مَن بغى عليَّ).
دمت بخير، وأسأل المولى عز وجل أن يحفظَ قلبك، ويُثَبِّته على دينه