ملخص السؤال:
فتاة كانتْ مخطوبة لشابٍّ قريب لها، وكان بينهما حبٌّ، ووَعَدَها وأقسم لها بالزواج وأنه لن يتخلى عنها، لكن فجأة اختفى وعرفتْ أنه تزوج، فانهارتْ وأصبحتْ تدعو عليه ليل نهار بأن يشتتَ اللهُ زواجه، وألا يُوَفِّقه في حياته.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا سيدة أبلُغ مِن العمر 40 عامًا، كنتُ مخطوبةً لقريبٍ لي، واتَّفَقْن ا على الزواج، وأقْسَم على كتاب الله أنه لن يَخُونني ولن يغدر بي!طلَب مني الصبر حتى يُنهي مشكلاته ويعقد عليَّ عقد الزواج، ولم أكن أشكُّ فيه يومًا، حتى إنه كان يستشيرني في كل شيء، حتى لون دهان البيت!تلَقَّيْتُ عروضًا في هذه الفترة بالزواج، وكان يعدني بأنه لن يتخلى عني، وأن الموت وحده هو الذي سيُفرق بيننا، فرفضتُ تلك العُروض كلها، وأقسم لي بأنه لن يُؤذيني أبدًا بعد كل هذا الصبر والانتظار.ثم اختفى لشهور، حاولتُ الاتصال به فإذا به قد غيَّر رقْمَ هاتفه، وفوجئتُ أنه تزوَّج، وقد علمتُ بهذا قدَرًا لأنه أخفى الخبر عن الجميع.أرسل لي رسالةً يُخبرني فيها بأنه أُجْبِرَ على الزواج، فلم أتمالكْ نفسي وأصبتُ بانهيارٍ عصبيٍّ وأرق وتوتُّرٍ، ولَم يَجفَّ دمعي منذ أن علمتُ بزواجه.بدأتُ أدعو عليه بالهلاك والمصيبة، وأن ينتقمَ الله منه لأنه ضَيَّعَ حياتي، وفقدتُ الأمل في الزواج والإنجاب بسبب كذبه ونفاقه وخداعه، ولا أستطيع مسامحته، وأدعو عليه ليلاً ونهارًا أن يُشَتِّت الله زواجه، وأن يُعاقِبَهُ لخيانته وتلاعُبه بمشاعري كل هذه المدة.حاولتُ نسيانه، لكن لم أستطعْ؛ فقد أضاع أجمل سنوات عمري ودمَّرني.ساعدوني أرجوكم، فأنا لا أنام إلا بالأدوية، وفقدتُ الرغبة في الاستمرار في الحياة.أنا مؤمنةٌ بالله، وأصَلِّي وأصوم وأزكي، ولكني مُتْعَبَة وخائفة من هذه الحياة، وأشعر أن حياتي ضاعتْ، وأنه ظلمني ظلمًا شديدًا. وصل بي الحال إلى أنني لم أعدْ أدعو لا بالزوج الصالح ولا بالذُّرية الصالحة، فقد كرهتُ كل الرجال.

فأخبروني كيف أخرُج من هذه المصيبة التي سبَّبَها لي؟
الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. في البداية هنيئًا لك إيمانك بالله عزَّ وجلَّ، وصلاتك وصومك وزكاتك، وسائر عباداتك التي هي زاد عظيمٌ، وكنْزٌ ثمين، فالعبادةُ ترقى بصاحبِها درجات عظيمة، وترْفَعُه إلى منازل الصالحين والملائكة الكرام العابدين، وكلما ارتقى الإنسانُ المؤمنُ في العبادة أَحَسَّ بالسعادة والأمن والطمأنينة ، مهما كانت الظروفُ والأحوال.
وقد رسم لنا الأنبياءُ الكرامُ صلواتُ الله عليهم منهجًا واضحًا بينًا في اللجوء إلى الله، وطلب العون منه، وخاصَّة وقت الشدائد، فإبراهيمُ لجأ إلى الله عندما أراد قومه إحراقه بالنار، ونوح لجأ إلى الله عندما صدَّ قومه عن دعوته، ومحمد صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ كان يقول: ((قُمْ يَا بِلَالُ، فَأَرِحْنَ ا بِالصَّلَا ةِ))، وهكذا جميع الأنبياء والأتقياء.
ولا شك أنَّ الظرف الذي تعانين منه صعبٌ ومؤلمٌ، ولكن إيمانك وثقتك بالله أقوى، وعليك بالصبر واحتساب الأجر.
واعلمي أن الأمور بِقَدَرِ الله، وربما الخير لك في عدم الزواج مِن هذا الرجل، وقد يكون رزقُك مع أحدٍ غيره، والزواجُ مِن أرزاق الله، ونسأل الله أن يُعَوِّضك خيرًا، ويكتب لك سعادة الدارين.
أما بالنسبة للدعاء على خطيبك بالهلاك والمصيبة، فلا يجوز ولا ينبغي، وليس مِن هدي الإسلام الذي جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقد رَوَتْ أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسولُ الله أحسنَ الناس خُلُقًا، لَم يكُن فاحشًا ولا مُتفحِّشًا ، ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفُو ويصفحُ"؛ حسَّنه التِّرمذيّ ُ، وصحَّحه الألبانيُّ .
وَصَوْنُ اللسان أمرٌ مَطلوب؛ ففي حديث معاذ مرفوعًا: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟))، قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: ((كفَّ عليك هذا))، فقلتُ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟ فقال: ((ثكلتْك أمُّك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم))؛ صحَّحه التِّرمذيّ ُ.
والمسلمُ له حُرمةٌ عظيمةٌ في دمه وماله وعرضه، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم النحر بِمِنًى في حجة الوداع: ((إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحُرْمَةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا))؛ متفق عليه.
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما المفلس؟))، قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إنَّ المفلس مِن أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ، وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرَب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا مِن حسناته، فإن فنيتْ حسناته قبل أن يقضى ما عليه مِن الخطايا، أخذ من خطاياهم فطرحتْ عليه، ثم طرح في النار)).
وكَوْنُ خطيبك - أختنا الكريمة - تراجَع عن الزواج لا يُعَدُّ ظالمًا ومسوغًا للدعاء عليه، فمِن حقِّ الرجل والمرأة مواصَلة مشروع الزواج أو إيقافه، وإن كان الأولى الاستمرار وإكمال المشروع لما فيه مِن الخير والبركة، ولكن تراجُع أحد الأطراف لا يخول إعلان الحرب عليه، والأفضلُ أن تدعي له بالهداية والصلاح، والتوفيق في حياته؛ وذلك حتى يدعو هو لك أيضًا بالتوفيق بزوجٍ صالح غيره.
ثم إنَّ الخطوبة هي وَعْدٌ بالزواج، بل قد يتم العَقْد ويَحْصُل انفصالٌ، وكلٌّ يدْعُو للآخر بالتوفيق.
وعليك أختنا الكريمة بكَثْرة ذِكْر الله والاستِغفا ر والانشِغال بالقرآن والدعوة إلى الله، وصحبة الصالحات ولُزوم تقوى الله؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْ هُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّل ْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
سائلين الله لك العون والتوفيق والسداد والفوز في الدنيا ويوم المعاد