ملخص السؤال:
شابٌّ اعتاد على ضياع وقته منذ كان صغيرًا، ولما كبر أَحَسَّ بذلك، ثم أحب فتاة ويُمَنِّي نفسه بالزواج منها، ويحاول ألا يفكِّر فيها حتى لا ينشغلَ عن دراسته.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ في الثامنةَ عشرةَ مِن العمر، وعندي عدة مشاكل، وأرجو منكم أن تُشيروا عليَّ ببعض الحلول.عندما كنتُ طفلاً كنتُ مُعتادًا على اللعب على الحاسوب لفترة ط***ة، فكنتُ أجلس لستِّ ساعات يوميًّا، وبقيت على هذه الحال لمدة سبع سنواتٍ تقريبًا، وهذا ما أثَّر عليَّ، وجعلني شخصًا سلبيًّا.تُوُفِّي والدي حين كنتُ في العاشرة مِن عمري، وكبرتُ على مُشاهَدة التلفاز واللعب، ثم أحسستُ أن عمري يَضيع هباءً، ووجدتُ نفسي ضعيفًا في الجانب الاجتماعيّ ِ، ومتأخِّرًا عن أقراني بشكل ملحوظٍ، حتى إن أقراني كانوا يُؤنبونني لأنني كَسول وبطيء.أُصِبْتُ بالإحباط، وصِرْتُ بلا أهدافٍ سامِيَةٍ؛ وبحسب نظرة المثبِّطين َ إليَّ فأنا فاشل، وبعضهم كان يخبرني بأني ذكي وموهوب، وذو ذَوقٍ رفيع، وقوي الملاحَظة.المشكلة أنني كلما أردتُ أن أبرزَ موهبةً لي؛ كصوت جميل، أو أسلوب ما، فإنه سرعان ما تتدفَّق شاحنة من الأدرينالي ن في عروقي، فأبدو خجولًا وضعيفًا، وأفكر بطريقةٍ تمنعني من التفكير السليم، فضلاً عن إبداء الموهبة.في الآونة الأخيرة عرفتُ أن هناك فتاةً تُحبني، فلم أُعِر الموضوعَ اهتمامًا، وبعدما رأيتُها وَجَدْتُها جميلةً وأحببتُها، وجاءني خاطر أنها صادقة في حبها لي، فزاد حبي لها، لكنني لم أُكلِّمها ولم تكلمني مطلقًا.حاولتُ جاهدًا ألا أفكِّر فيها، وأن أصرفَ تفكيري عنها، لكنني ما زلتُ أفترض إمكانية الزواج منها، مع العلم أنها أصغر مني بثلاث سنوات، وفي المقابل أخاف أن يؤثرَ ذلك على دراستي.
أرجو أن تُساعدوني في مشكلتي، وجزاكم الله خيرًا
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه، وبعدُ: فإنَّ مَعايير الفشَل والنجاح حقيقةً لا تعتمد على ركائزَ مُوحدةٍ ومُشتركةٍ بين الناس، فكلُّ شخصٍ يستطيع بإذن الله أن يُحَقِّقَ النجاح في مجاله الذي هيَّأه اللهُ له، ويَسَّر له أسبابه، أما أن نجعلَ مِن الشرط أن ننجحَ كنجاح الآخرين تمامًا، فذلك مفهوم خاطئ. ثم إنَّ نظرة الناس لشخصٍ ما تختلف وتتفاوت تفاوتًا شديدًا؛ وذلك لأنَّ كل واحدٍ منهم يرى أن النجاح والتميُّز يتحقَّق في أمرٍ يختلف عنه في نظر الآخر، ومما يؤكد ذلك ما ذكرته أنت بنفسك من مسألة صدور المدح والثناء ممن حولك، في وقتٍ وَصَمَك فيه أحدهم بالفاشل؟! يا بني، لعله يكفيك أنك لازمتَ والدتك بعد وفاة والدك، فعشتَ بِقُرْبِها في وقتٍ تفتقد أغلب الأمهات ذلك، وخصوصًا في مرحلة المراهقة؛ حيث يستهوي الشباب كثرة المُخالَطة والمكوث خارج المنزل لفترات ط***ةٍ، فإن ما عملته حقيقةً إنما هو إنجازٌ عظيمٌ، ونجاحٌ فائقٌ حُرِمَ منه الكثيرُ. قال عليه الصلاة والسلامُ للصحابي حين أَخْبَرَهُ أنه يريد الجهاد معه: ((ويحك، أحيَّة أمك؟))، قلتُ: نعم يا رسول الله، قال: ((ويحك، الزمْ رجلها فثم الجنة))، فأيُّ مَطلب أعظم من ذلك؟! ثم إن ما ذكرتَ من مسألة البُطْء والكسل فتلك صفة قد تكون جُبِلْتَ عليها، ولا يعني هذا أنه لن يتبدل حالك أو يتغير، فالإنسانُ كلما خالط اكتسب شيئًا جديدًا، ثم إن ذلك ليس عيبًا ما دام أنه ليس عائقًا لك عن أداء واجباتك؛ كالصلاة، وبر والدتك، والإحسان إليها، وغير ذلك. ليس شرطًا أن يضعَ الإنسان أمامه هدفًا محددًا، ويأخذ على نفسه ضرورةَ تحقيقه، فالمسلمُ بطاعته لله وبُعده عن معصيته يُحَقِّق أعظم هدفٍ ألا وهو: (كسب رضا الله). ثم تأتي بعد ذلك مسألة العمل والكدح، وذلك من أجل توفير وتهيئة سُبُل العيش. نأتي الآن إلى مسألة إعجابك بالفتاة، ورغبتك في الارتباط بها؛ ففي الحقيقة كلُّ ذلك ليس صعبًا ولا بعيدًا، والمشكلة لا تكْمُن في ذلك، ولكن يا بني ينبغي أن تؤتى البيوت من أبوابها، واحذرْ سُبُل الشيطان وطرائقه، فإذا كان في الإمكان أن تتقدمَ لخطبتها فافعل، وأما إن كان الأمر بعيدًا بسبب صِغَر سنك، وعدم تهيُّئك للأمر، فأنصحك بصرف النظر تمامًا حتى يأتي الوقت المناسب، ولعل الفتاة يقدرها ربي لك، فتبقى حتى تتقدَّم لها، وليس شرطًا أن تكون هي زوجة المستقبل، فقد يُعَوِّضك ربي خيرًا وأفضل منها. فلا تستعجلْ، ولك أن تشاوِرَ والدتك في الأمر، فلعلها تخفِّف عنك ما أَهَمَّك، وسارع في إنهاء الأمر وإشغال نفسك، وأكثر مِن الدعاء بـ(اللهم اكفني بحلالك عنْ حرامك)، والتجئ إلى ربك ليصرف عنك كل ما مِن شأنه إشغال قلبك. وآخر ما أوصيك به: الإقبال على كتاب الله؛ مدارسة، وحفظًا، وفهمًا، فإن ذلك مِن أعظم أسباب الثبات والحفظ، وتحقيق أعظم الأهداف. ولا يمنع ذلك مِن احتراف أيٍّ مِن المواهب التي حَباك الله بها، ومن ثَم استغلالها فيما يقربك إلى الله، خُصوصًا أنك قد تكون اكتسبتَ شيئًا مِن المهارات خلال فترة طفولتك، الأمر الذي كنت تراه سلبيًا وغير نافع.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وفتح عليك فتْحًا مِن عنده
وسدَّد في الخير خُطاك