تفكيك سياق "الوقف القبيح" وتلبيسه في الثالث الإعدادي الأزهري
(1)
وقفت في مقال (صياغة معنى "قلـﮯ" علامة الوقف التام في الثالث الإعدادي الأزهري) مع ما في الوقف التام من الحاجة إلى إعادة الصياغة، وأقف هذه المرة مع الوقف القبيح كثير الهنات على الرغم من قلة مساحته ومحدودية كلماته.
كيف؟إنك إن قرأت الوقف القبيح الممتد من منتصف ص 141 إلى ثلث ص142 الأول بخطه الكبير الذي تبلغ عدد كلماته بالاستشهاد القرآني 120 بالمفهوم الإملائي الذي يرى أن الكلمة هي ما سبقت بمسافة ولحقت بمسافة- ستبدهك أشياء تجعلك تستشعر أن هذا الجزء من الكتاب لم يُعدّه من أَعدّ بقية الكتاب.لِمَ؟لأن الهنات تعددت وكثرت وتنوعت بين ما يُعد خطأ مطبعيا، وبين ما يُعد خطأ لغويا نحويا وترقيميا، وبين ما يُعد وقصورا فنيا علميا بعدم إكمال الشواهد وعدم تخريج الآيات وعدم تناول الابتداء الذي كان يجب تناوله في هذا الموضع.كيف ذلك؟(2)يبدأ الوقف القبيح من منتصف ص 141 بتعريف الوقف في 31 كلمة على سطرين ونصف في فقرة جيدة الترقيم. ما نصها؟(الوقف القبيح: هو الوقف على ما لا يتم الكلام به ولا ينقطع عما بعده كالوقف على المبتدأ دون خبره، أو على الفعل دون فاعله أو على الناصب دون منصوبه ونحو ذلك). لكن هذا الحسن ينكسر بعد ذلك السياق بكلمتين اثنتين.كيف؟(الوقف القبيح: هو الوقف على ما لا يتم الكلام به ولا ينقطع عما بعده كالوقف على المبتدأ دون خبره، أو على الفعل دون فاعله أو على الناصب دون منصوبه ونحو ذلك. وسمي قبيحالقبح الوقف عليه إلا لضرورة. وحكمه ...)أين انتفاء الحُسن هنا؟تمثّل انتفاء الحسن في تفكيك الجملة بين فقرتين، وضم فقرة أخرى كان يجب إفرادها لتناولها معنى جزئيا جديدا.وكيف كان يقتضي الحُسن أن يتم؟كان الحُسن يقتضي أن يخرج الكلام بالشكل الآتي: (الوقف القبيح: هو الوقف على ما لا يتم الكلام به ولا ينقطع عما بعده كالوقف على المبتدأ دون خبره، أو على الفعل دون فاعله أو على الناصب دون منصوبه ونحو ذلك. وسمي قبيحا لقبح الوقف عليه إلا لضرورة. وحكمه أنه لا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة كضيق النفس ...).هكذا ينسبك السياق، وتنفصل الفقرات، وتتضح المعاني.(3)ولا تكاد تمضي حتى تفاجأ خلو الفقرة التي تبدأ في ص141 وتنتهي بدء ص 142 من الترقيم على الرغم من تعدد فِكَرها الجزئية مما يستوجب الترقيم للإيضاح.كيف؟تقول الفقرة: (وحكمه أنه لا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة كضيق النفس فإن وقف عليه ابتدئ بالكلمة التي وقف عليها إن صح الابتداء بها وإلا فيما قبلها إن صح الابتداء بها فإن وقف وابتدأ بما بعده اختيارا كان قبيحا).فقرة بلغت كلماتها سبعا وثلاثين كلمة تناولت أكثر من معنى؛ لأن الأمر يتعلق بتفصيل حكم؛ مما يقتضي جملا قصيرة كما مر- وخلت من الترقيم الموضح.وما ترقيمها الموضح معانيها الجزئية؟إنه كالآتي: (وحكمه أنه لا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة كضيق النفس؛ فإن وُقف عليه اُبتُدئ بالكلمة التي وُقف عليها إن صح الابتداء بها، وإلا فيما قبلها إن صح الابتداء بها. فإن وَقَفَ وابْتَدَأَ بما بعده اختيارا كان قبيحا).هكذا تتضح الفِكَر، ويستريح القارئ لا سيما التلميذ الذي لا يكاد يفقه هذه المسائل اللغوية، ولا يفطن إليها في ظل ما يحدث في الفصل.ثم ماذا؟ثم إنك لو أعدت القراءة فستجد خطأ يبدو أنه مطبعي.أين؟إنها في الكلمة المركبة "فيما".كيف؟تقول الفقرة: (وحكمه أنه لا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة كضيق النفس؛ فإن وقف عليه ابتدئ بالكلمة التي وقف عليها إن صح الابتداء بها، وإلا فيما قبلها إن صح الابتداء بها. فإن وقفَ وابتدأ بما بعده اختيارا كان قبيحا).وما الصحيح؟الصحيح حذف نقطة من نقطتي الياء فيصبح الحرف باء، وتعود الصياغة الصحيحة كالآتي: (وحكمه أنه لا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة كضيق النفس؛ فإن وُقف عليه ابتدئ بالكلمة التي وقف عليها إن صح الابتداء بها، وإلا فبما قبلها إن صح الابتداء بها. فإن وقفَ وابتدَأَ بما بعده اختيارا كان قبيحا). وبذا يتحول الأمر من اتصال حرفين يُحدث الالتباس إلى اتصال حرفٍ باسمٍ موصولٍ يُوضِّح المعنى ويرشد إليه.فإن فعلنا فهل تكون الفقرة بادية ظاهرة؟لا.لماذا؟لأنها خالية من ضبط كلمات كان يجب ضبطها فكا للالتباس.ما هي؟(وحكمه أنه لا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة كضيق النفس؛ فإن وُقف عليه اُبتُدئ بالكلمة التي وُقف عليها إن صح الابتداء بها، وإلا فبما قبلها إن صح الابتداء بها. فإن وَقَفَ وابْتَدَأَ بما بعده اختيارا كان قبيحا). لِمَ وجب فك الالتباس هذا؟لأن السياق بدأ بالفعل المبني لما لم يُسمَّ فاعله، وتحوَّل إلى الفعل المبني للفاعل المتصيَّد من الكلام؛ فلم يمرّ له ذِكر بل يُفهم من السياق، وتقديره "الواقف".(4)فإن تركنا ص141 وبدأنا ص142 وجدنا النص الآتي: (وأقبح القبح الوقف والابتداء الموهمان خلاف المعنى المراد ...).ماذا نتوقع؟نتوقع أمثلة على كلا الأمرين: الوقف، والابتداء.لِمَ؟لأن الوقف قد يجوز ويقبح الابتداء بما بعده، وكان يجب تبيين ذلك بالتمثيل والشرح، لكن ذلك لم يحدث.كيف؟جاء الكلام كله كالآتي: [وأقبح القبح الوقف والابتداء الموهمان خلاف المعنى المراد كالوقف على: (لا يستحيي) من قوله تعالى:({إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ ي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا} [البقرة: 26]) وعلى (لا يهدي) من قوله تعالى: ({إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3]) فمن وقف على مثل هذا وهو غير مضطر فهو آثم].انتهى الكلام، فهل ذَكر الكاتب شيئا عن الابتداء القبيح؟لا.وكان يجب ذكر مثالين للابتداء القبيح كما ذكر مثالين للوقف القبيح حتى يتم المعنى وتتضح الرؤية كما فعل الأستاذ "محمد أحمد معبد" في كتابه "الملخص المفيد في علم التجويد" ط11، 1430هـ/2009م، دار السلام بالقاهرة، ص104.بِمَ مثّل في هذه الصفحة؟مثّل بمثالين اثنين دلا على ما يتمم الكلام.ماذا قال؟قال تحت عنوان "الابتداء وأنواعه": (2- النوع القبيح وهوغير جائز: وهو أن يبدأ بكلمة تؤدي معنى غير ما أراده الله تعالى. ومثال ذلك أن يبدأ بكلمة {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [البقرة: 116] من قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [البقرة: 116]. ومثال الابتداء بكلمة {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة ٌ} [المائدة: 64] من قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة ٌ} [المائدة: 64]. وقس على ذلك). هكذا يتم الكلام، ويستريح من يبغي الفهم. (5)وإن أعدت القراءة ستجد تفكيك الفقرة مرة أخرى كما حدث في الصفحة السابقة.كيف؟ظهرت الفقرة فقرتين كالآتي:[وأقبح القبح الوقف والابتداء الموهمان خلاف المعنى المراد كالوقف على: (لا يستحيي) من قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ ي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا} [البقرة: 26]) وعلى (لا يهدي) من قوله تعالى: ({إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3] فمن وقف على مثل هذا وهو غير مضطر فهو آثم].وكان يجب ضمهما لتصيرا فقرة واحدة تظهر كالآتي: [وأقبح القبح الوقف والابتداء الموهمان خلاف المعنى المراد كالوقف على: (لا يستحيي) من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ ي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا} [البقرة: 26]) وعلى (لا يهدي) من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3] فمن وقف على مثل هذا وهو غير مضطر فهو آثم].(6)أوَهذا كل شيء؟لا. كيف؟هناك ترك الترقيم الذي كان سيجعل الفقرة كالآتي: [وأقبح القبح الوقف والابتداء الموهمان خلاف المعنى المراد كالوقف على: (لا يستحيي) من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ ي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا} [البقرة: 26]، وعلى (لا يهدي) من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3]؛ فمن وقف على مثل هذا، وهو غير مضطر- فهو آثم]. بهذا تظهر أجزاء الكلام وتتضح.(7)هل انتهت الهنات؟لا.كيف؟جاءت أجزاء الآيات المستشهد بها خلوا من التخريج الذي ييسر أمر الوصول إليها في المصحف.وقد يقول قائل: إن طلاب الأزهر حفظة لكتاب الله، وسيعرفونها ؛ فهم لا يحتاجون تخريجا!وجواب ذلك يسير مفاده أن واقع كثير منهم يضاد ذلك.ولو كان هذا الدفع صحيحا فالمؤلف لا يبني كتابه التعليمي على ذلك.لِمَ؟لأن الجمهور المستهدف عريض واسع متعدد المستويات، ولأن غير الأزهري قد يطلع عليه؛ فيجب التخريج تقليلا لعناء استخراج الآيات من المصحف.