الخطبة الأولى
معاشر الصالحين والصالحات، مضت العشر الأولى من هذا الشهر الكريم المبارك، وها نحن نعيش أواخر العشر الثانية، عشر تحمل بين طياتها ذكرى عظيمة ألا هي ذكرى غزوة بدر، التي هبت علينا نسائمها بالأمس حاملة معها ذكريات جهادِ النبي صلى الله عليه وسلم وتضحياتِ أصحابه رضوان الله عليهم.

تلك الغزوة معاشر أمة الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، تُعد مفخرة مُشرقة في تاريخ الأمة الإسلامية، ومجداً رائعاً من أمجادها، وستظل محطة فياضة بالعبر والعظات، يتوارثها الأجيال بعد الأجيال.

وإني أيها المؤمنون خلال هذه الدقائق المعدودة، لن أتوقف عند سرد أحداث هذه الغزوة، فذلك والحمد لله مُتاح في محله من أمهات كتب السيرة، وإنما أحببت أن يكون حديثي إليكم من خلال هذه الغزوة وتجلياتها، عن فئة آمنت ونصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ألا وهم الشباب.

شباب عاشوا لنصرة الدين، فقدموا الغالي والنفيس في سبيل ذلك ليفوزوا بأعظم وسام من رب العزة والجلال، ليفوزوا بشهادة الاستحقاق والمغفرة والرزق الكريم، قال ربنا: ﴿ وَالَّذِين َ آمَنُواْ وَهَاجَرُو اْ وَجَاهَدُو اْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِين َ آوَواْ وَّنَصَرُو اْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِن ُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَة ٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 74].

والحديث هنا عن الشباب، ليس معناه أني أهملت أو أردت إسقاط كلَّ من شارك في بدر من الرجال والشيوخ، فنحن لا نفاضل ولا نمُيز بين شباب بدر ورجالها وشيوخها، فلكل منزلته ودرجته، فللشباب جرأتهم وإقدامهم ودورهم، وللشيوخ هيبتهم ووقارهم ونصيحتهم وتربيتهم وحسنِ توجيههم.

فكل من شارك في بدر له منزلته وفضله، وحسبهم ويكفيهم شرفا شهادةَ النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم وسام شرف على صدر كل من شارك في غزوة بدر صغارا وكبارا فقال: (لعل اللهَ اطلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتُم، فقد وجبتْ لكم الجنةُ، أو فقد غفرتُ لكم) رواه البخاري.

فكل من شارك من الصحابة في غزوة بدر، كانت له المكانة اللائقة بالثناء الحسن في الدنيا، والفوز بالجنة، والنجاة من النار في الآخرة، حتى أصبح وسام الشرف يومها أن يقال لأحدهم: فلان بدري، أو شهد بدراً.

الشباب كان لهم في غزوة بدر وفي غيرها دور عظيم يستحق العناية والتسجيل، حيث يقف الإنسان أمام مواقفهم وسلوكياتهم وقفة إجلال وإكبار.

فإذا نظرنا إلى الدعوة الإسلامية في انطلاقتها الأولى، نجد أن من حملها ونشرها وذاد عنها، شباب مخلصون مؤمنون يتقدون فتوة وحيوية وشعلة من نور الإيمان، أمثال علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، والزبير بن العوام، وسعد ابن أبي وقاص، ومصعب بن عمير، وجعفر بن أبي طالب، وأبي عبيدة... وغيرهم الكثير.

شباب عاشوا وتَربَّوا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى يديه، شباب تمسكوا بدينهم ونصروه، فحقق الله على أيديهم النصر الأكبر وقيام دولة الإسلام الفتيَّة، فكانوا بحق شامةَ نورٍ في تاريخ أمتهم.

أولئك الشباب، هم قدوة لشبابنا اليوم.


نعم معاشر العباد، أولئك الشباب الذين امتلأت قلوبهم بالإيمان بالله، واجتمعت لهم الحيوية والقوة البدنية، فدفعهم إيمانهم لاستخدام قوتهم في سبيل الله، للدفاع عن الحق وأهله، ولنشر راية التوحيد، ولم يغتروا كغيرهم من شبابنا في هذا العصر، برفع رايات باطلة وشعارات زائفة، لم يغتروا بصرف طاقاتهم وجهودهم، واستغلال قوتهم في نشاطات لا تغني عنهم ولا عن أمتهم شيئا.

أولئك الشباب الذين آمنو بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً.

أولئك الشباب، لما كان هذا الإيمان في قلوبهم اعتقادا يقينا، انبثق عنه سلوك عمليٌّ ترجموه على أرض الواقع في حياتهم الخاصة والعامة ترجموه عملا في عباداتهم ومعاملاتهم ، بحيث لم يقْصُروا الخير على أنفسهم، بل حرِصوا على نشره لغيرهم في الأرض كلها، وتوَّجوا ذلك كله بذروة الإسلام وسنامه:الج هاد، وغايتهم في كل أمورهم رضا ربهم.

فما أحوج شباب أمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى أمثال أولئك يقتدون بهم ويسيرون على أثرهم.


الخطبة الثانية
الشيء الذي نأسف له، أننا نجد شبابنا اليوم ينشأ مقتديا ومتأثرا بنماذج جذابة في ظاهرها مخربة هدامة في باطنها من رياضيين وممثلين وفنانين وغيرهم.

فلو اطلعنا على خبايا حياةِ هذه النماذج التي انبهر بها شبابنا، نجدها أبعد ما تكون عن النموذج الصالح، فمعظم هذه النماذج التي يقتدي بها شبابنا، غارق في الانحلال الخلقي، والمخدرات، والجنوح نحو الشذوذ، والخروج عن الفطرة.

شباب أمة النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم هم أحوج إلى نماذج قوية في شخصيتها، طاهرة في نفسها، طيبة في سريرتها، سليمة في عقيدتها، متكاملة في شخصيتها، مستقيمة صالحة مع فطرتها حتى يقتدوا بها.

مما ينبغي التأكيد عليه أيها الآباء، هو ضرورة حماية شبابنا ذكورا وإناثا من الانحراف والسقوط في مهاوي الرذيلة والفساد التي يروج لها أولئك الذين يقتدون بهم.

فما نلاحظه اليوم من هجمة شرسة إفسادية مركزة على الشباب، من دعايةٍ وتوظيف سيئ لوسائل الإعلام والاتصالات ، إلا خيرُ شاهد ودليلٍ على ذلك.

لقد علم أعداء الإسلام أهمية دَوْرِ القدوة الصالحة في بناء الأمة وتقدمها، فسعوا إلى إفراغ الأمة من محتواها، وتجريدها من قدوتها وتدميرها، فخططوا ودبروا كيدهم لتمييع الشباب، وتسميم أفكارهم، وزرع الميوعة والخلاعة في نفوسهم، وتبديد طاقاتهم وتعطيلها وتخريب قوتهم، وذلك بزرع نماذج تمثل أرقى الفساد والإفساد.

فكان لهم ما أرادوا، فأخرجوا لنا شبابا متبعين لأعداء الله في انحرافهم مقلدين لهم في التصرفات والحركات، متشبهين بهم في السيرة والسريرة، معجبين بأفكارهم، ظنا منهم أن تلك هي الحياة والسعادة الأبدية.

وياليت شبابنا قلدوا الغرب في ما يعود على أمتهم بالنفع والخير من العلوم والصناعة والبحث والتطور العلمي.

لقد خطط أعداء الإسلام ودبروا فظهر جيل من الشباب مترفٌ عابثٌ ساهٍ لاه تائه، لم يَفلَح في دين ولا دنيا، يُضيع أوقاته ويقتُلها في سفاهات الأمور والشهوات والملذات المحرمة، شباب لا يهتمون بعظائم الأمور وأهمها، يحبون الراحة والكسل، ويسعون للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفهم في الحياة، فهم إن تعلموا فللشهوات، وإن جمعوا المال فللشهوات، وإن تبوؤا أسمى المراكز فللشهوات، إنهم يجودون بكل شيء للوصول إلى الشهوات.

أعداء أمتنا خططوا ودبروا فظهر جيل من الشباب في العمل فاشل، وفي الدراسة راسب، وفي الحياة تائهٌ حائر، جيل من الشباب همه بطنُه وفرجه، يتتبع عوراتِ خلق الله، ويتجمع أفرادُه في الأسواق والأزقة لمضايقة نساء المسلمين وبنات المسلمين.

شباب طاشت عقولهم وساءت أخلاقهم فصارت الفوضى وإيذاء المارة مُتعة يتنادون لها ويجتمعون من أجلها.
شباب هِمته وهمه وحُلمه تتبع بنات المسلمين والعبث بأجسادهن.
شباب همته ورجولته في سروال ممزق، أو في سيجارة أو أي نوع من المخدرات.

خطط أعداء الإسلام ودبروا فأنشئوا بين شبابنا جيلَ الملاهي والمقاهي والنوادي الليلية والمعاكسات الهاتفية، جيلَ الضياع والميوعة، جيلَ الخضوع في الكلام والتكسر في المشية، جيلَ الغناء والطرب والرقصات الهستيرية والأفلام الإباحية، جيلَ الأندية والتشجيع، جيلَ التفريط والتضييع، جيلَ الخروج عن القيم والصد عن سبيل الله والسخرية من الفضلاء.

معاشر أمة الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، ما ذكرت إلا البعض والشيء القليل من مخططات أعداء الإسلام، وإلا فإن ما خفي منها أعظم وأخطر وأشد، وهذه آثار وثمرات مخططاتهم التي يقطفها شباب أمتنا ذكورا وإناثا، بل نقطفها جميعا بدون استثناء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

فيا شباب أمة النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، اسمعوها مني نصيحة صادقة: إنكم لن تجدوا السعادة الحقيقية، ولن تنعموا بها إلا في الالتزام بدين الله والاستقامة على صراطه المستقيم.. الطمأنينةُ وراحة النفس لن تجدوا ذلك إلا في هذا الدين الذي ارتضاه الله لكم وأنتم تفرون منه وتنسلخون كما ينسلخ الثعبان من جلده.




الرهواني محمد