الحمد لله قبل أيِّ شيء، وعلى كلِّ شيء؛ فهو وحده الذي يستحقُّ مطلق الحمد، والصلاة والسلام أبدًا، على النبي المصطفى محمَّد، مَن دعا إلى كل خير والعمل به، ونهى عن كل شر وعن العمل به، وشهد بأفضليتِه الأعداءُ مِن المنصفين قبل الأحباب، وبعد:
فإنني أوجِّه هذا الحديث للعقلاء الذين يُدركون ويفهمون ما حولهم في ظلِّ إعلام عالميٍّ قلَّت فيه الحقيقة، وضنَّ فيه الصدق عن هذا الأمر، بعيدًا عن التغييب والتجهيل والتضليل، ومكتبات ومعارض تحوي من الكتب والكتابات ما لا حصْر له، أقول له: كيف تترك الحاقِدين وأصحاب المصالح يَخدعونك ويغشُّونك ويَنقلون لك الأكاذيب؟! كيف تأخذ تصورًا كاملًا عن أهل دين سماويٍّ ولو مجرد زعم منهم من أفلام ومسرحيات كل همِّها أن تُرضي المشاهد وتحوز على إعجابه ولو بالكذب المبين؛ إما للكسب من ورائه، وإما لأمور سياسيَّة، دون مراعاة لعقول العقلاء؟! لماذا تترك نفسك وتُسلِّم لهم عقلك دونما أن تجعل لك رأيًا، أو حتى تصورًا صحيحًا مبنيًّا على حقائق صحيحة نتيجة بحث علميٍّ تقوم به أنت بنفسك، دون مؤثِّرات، بمنتهى الإنصاف والعدل الذي تَرضاه لنفسك إذا كان البحث عنك، ولا تقرأ أو تأخذ عنهم من أعدائهم أو مخالفيهم، ولا تنظر لمن عمدوا إلى الانتساب إليه لتشويه صورته وتدنيس طهارته وتعكير صفوه، وهم إما جُهَّال، وإما منافقون، وإما مأجورون؟!

وإذا أردت أن تعرف حقيقة الإسلام الصافي الحنيف فعليك بأهل السنة والجماعة؛ لأنَّهم هم الذين يتمسَّكون بكل ما جاء صحيحًا عن رسولهم صلى الله عليه وسلم، دون تحريف أو تغيير، انظر كيف عدلُهم ونزاهتهم وأخلاقُهم وتعاملاتهم ومعاملاتهم مع الآخرين وإن خالفوهم في العقيدة، وكيف هي عقولهم وتفكيرهم، وهُداهم وهديهم، ودعوتهم، وحب الخير للناس أجمعين؟ كيف أخلاقهم في الحرب والقتال؟ هل قتلوا طفلًا؟ هل قتلوا شيخًا أو عالِمًا في صومعته؟ ارجع إلى التاريخ تجد أناسًا تحسبهم أساطير من ملائكة الرحمة في زمان انعدمت فيه الرحمة! وما هم إلا أتباع النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام، لما طبقوا أمره، وانتهوا عما نهاهم عنه، وساروا على طريقته الحقيقيَّة ، تجد أناسًا ما قاتَلوا إلا من أجل أن يَرفعوا قيد الظلم وسوطه وسطوته من على رقاب وظهور المعذَّبين والمُضطهَد ين من أهل دينهم وملتهم ونحلتهم، من أهل جلدتهم، ولك أن ترجع لتاريخ الكسرى والقيصر، كيف كانوا يتعاملون مع أتباعهم؟ لا قيمة لتابع لهم ولا لعامل عندهم، ولا قدْر ولا كرامة لهم، فالكل يَحيا ويموت من أجل قيصره وكسراه! لا لمنَّة له عليهم ولا فضل، بل لمجرد التسلُّط والسَّطوة فحسب، على عكس رسالة النبي الخاتم، التي تمثَّلها أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح الذين يدلون ويستدلون، والتي ملخَّصها اتجاه الجميع لرب واحد، لا فرق بين قيصر وخادمه، ولا حاكم ومحكومه، الكل سواء، لا فضل لأحد على أحد في أحكام الدين، وعند الله فالفرق يكون في التقوى، وأجر التقوى على الله تعالى، والتقوى لا تبيح لأحد أن يأخذ من حق أحد لأنه أتقى منه؛ لأنه لا يعلمها إلا الله، فأجرها عنده يوم القيامة، والتقديم والتأخير يكون على أُسُس العدل التي يرضى بها الجميع، وهي: الكفاءة والخِبرة، والجد والاجتهاد، والبذل والعطاء، هذا عن منهج أهل السنة الذي تعلَّموه من كتاب ربهم الواحد الأحد، الخالق الرزاق، المُحيي المميت، الهادي الكريم، السلام المؤمن، المهيمن العزيز الحكيم، الحكم العدل، ومِن سنَّة نبيِّهم، رسول الله إلى خلقه إنسًا وجنًّا بالحُجَّة والبرهان، والآية والدِّلالة ، بمنهج قويم، وصراط مستقيم، وحبل متين، لا ينفع إلا مَن تخلى عن هواه، وآثر رضا ربه على رضاه، وأحب الخير، وساوى بينه وبين أخيه، فلا يتعدَّى عليه، فضلًا عن أن يعتدي عليه، وجعل مصالح أخيه مِن مصالحه!

أرأيت إذا كان يوجد مجتمع بهذه القيم والمبادئ، مُتآلفَ القلوب، محبًّا للخير، داعيًا إليه؛ لعاش الناس في أمن وأمان، وسكينة وطمأنينة، وسِلْم وسلام، يَحيَون للغاية التي خُلقوا من أجلها، وهي جمع الوجهة والتوجُّه إلى الإله الواحد الذي يستحق العبادة بما أراد هو وفرض على عباده، لا بما يريد أهل الأهواء الذين يدَّعون أنهم أفضل من باقي البشر فيتميَّزون عنهم بترك ما فرض على العامَّة، وقد علَّمنا إمام البشر أنه صلى الله عليه وسلم يفعل كلَّ ما فُرض على أمَّته، ويَزيد في أفعال الطاعة والخير عليهم، فها هو القُدوة الحقيقيَّة التي ما تميَّزت إلا بتحمُّل أعباء أكثر وواجبات أكثر، أما آنَ لك يا صاحب العقل الكبير والبصر المميِّز أن تُميِّز الغالي من الرخيص، والغثَّ من السمين، والحق من الباطل، وتعود، لا لأحد يتسلَّط عليك، بل لله وحده لا شريك له، والسلام على مَن اتَّبع الهدى، وقدَّم رضا الخالق المعبود على الهوى.

فما أجمل أن يأخذ بعضُنا بأيدي بعض لندخُلَ معًا جنَّةً عرضُها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين، مَن أحبَّهم الله وهداهم لدينِه وخصَّهم بالدين الحنيف، واتَّبعوا صحيح الإسلام دين نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم وملَّة أبينا إبراهيم عليه السلام، فهذا شيء جميل، ومِن القبيح أن يحمل بعضُنا لبعضٍ الحقد والكراهية، لا لشيء، إلا بسبب أناس يُريدون أن يستعبدوا الجميع ويتسلَّطوا عليهم، وما يأتي من سفاهات بعض من يدَّعون أنهم ينتسبون لأهل السنَّة، والسنَّة وأهلها منهم براء، إنما هم الذين يُسفِّهون أنفسهم بفعل هذه الأمور التي لا يقبلها العقلاء، ولعلهم يفعلونها عن عمد لتُشوَّه الصورة الحقيقية لأهل السنة؛ لأنهم لا يتعاملون بعقل ولا مبدأ، فهم يقدِّمون الشهوات والأهواء ليس على الذي أمروا به فحسب، بل حتى على العقل والمنطق، فكلُّ الذي يُهمُّهم أن يصلوا إلى أغراضهم بأيِّ طريقة دون مراعاة لعقول الآخرين، وهم يتَّخذون لتحقيق تلك الأغراض كل السبل، وإن كانت هذه السبل باطلةً ضالَّة مذمومة عدائية، يتلوَّنون بجميع الألوان كالحيات والثعابين على غير نهج أهل السنة؛ فأهل السنة لا يُداهنون أحدًا، ولا يكذبون أحدًا، ولا يغشُّون أحدًا، يقولون على الحق حقًّا وإن كان عليهم، وعلى الباطل باطلًا وإن كان معهم، لا يبدِّلون دينهم، ولا يُزايدون عليه، ولا يُثبتون الإسلام لأحد لمجرَّد أنه قتل عدوًّا لهم مهما بلغ في عدائهم، ولا يُكفِّرون أحدًا لمجرد أنه يؤذيهم أو يُخالفهم، ولكن هناك شروط لإثبات الإسلام أو انتفائه، وأميز ما فيهم عدلهم، ومخالفتُهم لأهوائهم، فلا حظَّ لأنفسهم إلا بقدْر ما أباح لهم الذى خلقهم، ويعلم ما يضرُّهم وما ينفعهم، وربما تنازَلوا عن كثير منه مخافة أن تغلبهم نفوسُهم إلى ما قد يُوقع فيه كثرة المباح، واتِّباع كل ما تطلبه النفس.




رأفت مصطفى عليوة