بسم الله الرحمن الرحيم
قول الله سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم ْ وَأُولَئِك َ الْأَغْلال ُ فِي أَعْنَاقِه ِمْ وَأُولَئِك َ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الرعد: 5].
"التعج ب" حيرة تعرض للإنسان عند رؤية شيء عظيم في الاستحسان أو الاستقباح: جهل سببه، وجاء على خلاف العادة والمألوف.

يقول الله جل ثناؤه - لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولكل مؤمن متدبر لآيات الله، متفقة فيها، مستفيد منها العلم والإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر-: إن عظم استنكارك لأحوال الكافرين الذين جمدوا على الباطل بعد ما تبين لهم بالدليل القاطع بطلانه، واشتدت حيرتك من ردهم الحق بإصرار وعناد ومكابرة بعد أن تبين لهم بالأدلة المحسوسة التي اعترفوا بها صراحة أو ضمناً حقيقته - إن عظم استنكارك، واشتدت حيرتك من أمر هؤلاء لأن أمرهم يجري على عكس الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وعلى نقيض ما تقتضيه الإنسانية الصحيحة، من إلغائهم عقولهم وأسماعهم وأبصارهم حتى انطمس نور الفطرة منها، وفقدت خاصيتها ومزيتها بكثرة ما ران عليها من التقليد الأعمى للشيوخ والآباء، والتعصب الشنيع للعادات والتقاليد والخرافات والارتكاس في حمأة الضلال بطاعة السادة والكبراء بدون تعقل ولا تفكر؛ والانقياد لهم كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء: إن كان قد عظم عليك هذا من أمرهم، فهاك أمراً آخر من شنيع جاهليتهم، وأثراً جديداً من آثار ما ختم على قلوبهم وسمعهم، وغشى على أبصارهم: ذلك هو شكهم وارتيابهم في إعادة الله لهم إلى الحياة مرة أخرى بعد أن أماتهم، واستبعادهم لقاء الله ليحاسبهم على أعمالهم، وكفرهم بيوم الدين وأنهم بالآخرة لا يوقنون، بعد ما قامت الآيات في السموات والأرض وفي أنفسهم على أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأنه سبحانه سيعيد الخلق بعد فنائه كما بدأه أول مرة - وهو أهون عليه.

وهذا المعنى من أهم مقاصد القرآن، بل يكاد يكون أبرز أصول الدين الذي أوحاه الله إلى كل أنبيائه من أولهم نوح عليه السلام، إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن أشد ما استحوذ به الشيطان على حزبه الخاسرين إنما كان من إنسائهم الدار الآخرة وإهمالها، والتواني في التزود لها زادها الذي أرشد الله إليه، ووصى به عباده الذين أكد لهم القول أنهم ما خلقوا إلا للدار الآخرة، وما الحياة الدنيا إلى معبر وممر إلى الآخرة ومزرعة لها. فكان أعظم ما وصى الله به في كتبه هو الإيمان بالدار الآخرة وحسابها وجزائها العادل، وإن النعيم فيها والسعادة بما كسبته أيدي الناس وغرسته في دار الدنيا من صالح الاعتقاد والأعمال. وإن عذابها وشقائها الدائم كذلك إنما هو بما كسبته أيدي الناس وغرسته في هذه الدنيا من سيئ الاعتقاد والأعمال ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِ هِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَ ا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد ِ ﴾ [فصلت: 46].

ولذلك كان من أشد ما حرص عليه الشيطان وأفرغ فيه جهده وبذل أقصى طاقته هو شغل العباد بالدار الدنيا حتى لا يبقى في قلبهم محل لليقين بالدار الآخرة وإلقاء الشبه والشكوك في قلوبهم حتى يجتث الإيمان بالدار الآخرة من أساسه، ثم يملؤهم وهماً وغروراً بالأماني الكاذبة التي يتكلون عليها فلا يفكرون في التخلص من تلك الشكوك والشبهات، ولا يزال بهم حتى يقولوا ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَة ً ﴾ [البقرة: 80]، لن يدخل الجنة أحد سوانا، لأن الله ما خلق الجنة إلا لنا، وأنه ليتجاوز عن كل خطايانا بشفاعة الأولياء والصالحين وسيعفو الله عنا كرامة لفلان النبي أو فلان الولي. أو لأجل خاطر شيخنا ورئيسنا. ثم يمد لهم في حبل الغي حتى يعرضوا مرة واحدة عن شرائع الله وآياته وعن كتبه ورسوله، فيستعبدهم الشهوات والشيطان، وتطغى عليهم الغرائز الحيوانية فيأكلون ويتمتعون كما تتمتع الأنعام والنار مثوى لهم، وكلما حاول وازع الدين أن يستيقظ مؤنباً وموبخاً، ومخوفاً بعذاب الله ومقته أخمدوه بلسان حالهم، وربما لسان مقالهم: هل عاد أحد من الموتى فأخبرنا بما لقي من ثواب أو عذاب؟ أنترك اللذة العاجلة والمتعة الحاضرة لقول لا ندري آخره؟ فماذا أخذوا الذين حرموا أنفسهم من هذه اللذات، ومنعوها تلك الشهوات؛ وأخلدوا إلى الصلاة والصيام؟ إنما أخذوا تعفير الوجوه في التراب وتوسيخ الأجسام والثياب، وتعذيب أنفسهم بالجوع والعطش. وأمثال ذلك مما تسمعه من حزب الشيطان في المجالس العامة والخاصة وربما كتبوه وسجلوه في الصحف والمجلات، ثم تراهم يسخرون من كل متدين، ويهزأون أشد الاستهزاء بكل جاع إلى التدين والاستقامة على ما يحب الله من حسن الاعتقاد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحكم بما أنزل الله. وال*** كل ال*** لمن يقوم فيهم ناهياً لهم عن المنكر، مخوفاً ومنذراً بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فعندئذ يرميه الكل عن قوس واحدة بسهام الجمود والتأخر والانحطاط وقلة الذوق والرجعية إلى العصور المظلمة بزعمهم. ثم تتبارى الصحف والمجلات في حمل تلك السهام إلى صدر ذلك الداعي المخوف؛ وما أشد عجبك حين ترى ذلك المسدد تلك السهام يعرف عن نفسه بأنه "محمد" أو "أحمد" وما إلى ذلك من الأسماء الإسلامية.

أيظن ظان أن هؤلاء وأشباههم غير معنيين بقول الله تعالى لكل مؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر ﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم ْ وَأُولَئِك َ الْأَغْلال ُ فِي أَعْنَاقِه ِمْ وَأُولَئِك َ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الرعد: 5]؟! إن الذي يظن هذا الظن الخاطئ لا يعرف القرآن ولا يفقهه؛ بل ولا يعرف الإسلام وليس له به أي صلة إلا الأسماء والثياب إن كانت!!

ألا فليتأمل العقلاء في آيات الله وليتدبروا القرآن حق تدبره. فإنه ما ترك لمحتج حجة؛ ولا أبقى لمعتذر عذراً بعد هذا البيان الأوفى الذي وصف الله فيه البعث والنشور والحساب والجزاء في الجار الآخرة، وأن الله الذي خلقنا في هذه الحياة والذي رزقنا فيها أنواع الرزق من السماء والأرض، هو الذي سيعيدنا إلى الحياة مرة ثانية وإليه المصير.

قال الله تعالى في سورة البقرة ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُون َ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاك ُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُم ْ ثُمَّ يُحْيِيكُم ْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُون َ ﴾ [البقرة: 28]، وقال ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُو ا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون َ ﴾ [البقرة: 203]، ﴿ وَاعْلَمُو ا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ﴾ [البقرة: 223]، ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون َ ﴾ [البقرة: 245]، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُون َ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون َ ﴾ [البقرة: 281].

وفي سورة آل عمران ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاه ُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَت ْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون َ ﴾ [آل عمران: 25]، وفيها ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّر ُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 30]، وفيها ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْن َ أُجُورَكُم ْ يَوْمَ الْقِيَامَ ةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، وفي سورة النساء ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَ نَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَ ةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾ [النساء: 87]، ﴿ وَمَنْ يَسْتَنْكِ فْ عَنْ عِبَادَتِه ِ وَيَسْتَكْ بِرْ فَسَيَحْشُ رُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَ اتِ فَيُوَفِّي هِمْ أُجُورَهُم ْ وَيَزِيدُه ُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَف ُوا وَاسْتَكْب َرُوا فَيُعَذِّب ُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ﴾ [النساء: 172-173].

وقال في سورة الأنعام ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِن ِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُم ْ لَكَاذِبُو نَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوث ِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون َ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُم ُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَ ا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُون َ أَوْزَارَه ُمْ عَلَى ظُهُورِهِم ْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 27-31]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّا كُمْ بِاللَّيْل ِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَا رِ ثُمَّ يَبْعَثُكُ مْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُ مْ ثُمَّ يُنَبِّئُك ُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون َ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْه ُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُو نَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُم ُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِ ينَ ﴾ [الأنعام: 60-62]، ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُون َا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاك ُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُ مْ مَا خَوَّلْنَا كُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُم ْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَك ُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُون َ ﴾ [الأنعام: 94].

وقال في سورة يونس ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُ مْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَ اتِ بِالْقِسْط ِ وَالَّذِين َ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُون َ ﴾ [يونس: 4]، إلى أن قال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَا ةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَن ُّوا بِهَا وَالَّذِين َ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُم ُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون َ ﴾ [يونس: 7-8]، ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُ مْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَف ُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين َ ﴾ [يونس: 45]، ﴿ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْض ِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُ مْ لا يَعْلَمُون َ * هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون َ ﴾ [يونس: 55-56].

وقال تعالى في سورة هود ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُ مْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [هود: 4]، وفيها: ﴿ وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُو نَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَن َّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 7]، وفيها: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَة ِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُه ُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾ [هود: 102-105]، وقال في سورة إبراهيم ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَا ءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَر ُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَ اكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَ ا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [ابراهيم: 21]، وفيها ﴿ وَلَا تَحْسَبَنّ َ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُ ونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُه ُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَا رُ * مُهْطِعِين َ مُقْنِعِي رُءُوسِهِم ْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَ تُهُمْ هَوَاءٌٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِم ُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِع ِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُ مْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُ مْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُ مْ وَتَبَيَّن َ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَ ا لَكُمُ الْأَمْثَا لَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنّ َ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَو َاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار ِ * وَتَرَى الْمُجْرِم ِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِي نَ فِي الْأَصْفَا دِ * سَرَابِيلُ هُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُم ُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [إبراهيم: 42-51].

وقال تعالى في سورة الإسراء ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَ اهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَ ةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾ [الاسراء: 13-14]، وفيها ﴿ وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوث ُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُم ْ فَسَيَقُول ُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِ ضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُم ْ وَيَقُولُو نَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُم ْ فَتَسْتَجِ يبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّو نَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 49-52].

وقال تعالى في سورة الكهف ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَ اهُمْ جَمْعاً * وَعَرَضْنَ ا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِر ِينَ عَرْضاً ﴾ [الكهف: 99-100]، وفي سورة مريم ﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَا نُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَا نُ أَنَّا خَلَقْنَاه ُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّك َ لَنَحْشُرَ نَّهُمْ وَالشَّيَا طِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَ نَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ [مريم: 66-68]، وفيها ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْض ِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَن ِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُم ْ وَعَدَّهُم ْ عَدًّا * وَكُلُّهُم ْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَ ةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93-95].

وقال تعالى في سورة طه ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّ كَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 15-16]، وفيها ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاك ُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُم ْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُ مْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55]، وفيها ﴿ وَقَدْ آَتَيْنَاك َ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَ ةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَ ةِ حِمْلًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِم ِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَت ُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾ [طه: 99-103]، إلى قوله تعالى ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّوم ِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ﴾ [طـه: 111].

وقال تعالى في سورة الأنبياء ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُم ْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون َ * مَا يَأْتِيهِم ْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُو هُ وَهُمْ يَلْعَبُون َ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُم ْ ﴾ [الأنبياء: 1-3]، وفيها: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوك ُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر ِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَ ا تُرْجَعُون َ ﴾ [الانبياء: 35]، وفيها ﴿ وَاقْتَرَب َ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الانبياء: 97]، وفي سورة الحج ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَ ا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1-2]، إلى قوله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاك ُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَة ٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَة ٍ لِنُبَيِّن َ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَا مِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُ مْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُ وا أَشُدَّكُم ْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَ ا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَ تْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج: 5-7].

وفي سورة المؤمنون ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَا نَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاه ُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَة َ عَلَقَةً فَخَلَقْنَ ا الْعَلَقَة َ مُضْغَةً فَخَلَقْنَ ا الْمُضْغَة َ عِظَامًا فَكَسَوْنَ ا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَ اهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَك َ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِ ينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُو نَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَ ةِ تُبْعَثُون َ ﴾ [المؤمنون: 12-16].

هذا والسور الباقية من القرآن الكريم أعظم مقصدها التدليل على الآخرة وجزائها. إذ أن الخطاب فيها موجه إلى المشركين الذين كانوا يكذبون بيوم الدين والذين جرهم هذا التكذيب إلى كل ما كانوا فيه من ظلم وشرك وفسوق وعصيان ولم ينقذ الله من أنقذ منهم من الشقاء الذي كان مستحكماً إلا بهداية القرآن وآياته التي بسط لهم فيها أدلة البعث والحشر والدار الآخرة وما ينال كل عامل فيها من جزاء على قدر عمله في الدنيا برحمة الله وفضله للمحسنين، الذين عملوا الصالحات، وبحكمته وعدله للمسيئين الذين ظلموا أنفسهم واجترحوا السيئات.

وإن المؤمن ليزداد إيماناً ويقيناً بالدار الآخرة كلما كرر تلاوة آي الذكر الحكيم متدبراً ومتفقهاً، وإن الفاسق الذي طبعت الشهوات والشبهات على قلبه ليزداد جحوداً للدار الآخرة وتكذيباً بها كلما تليت عليه آيات الله فازداد عنها إعراضاً وأحكم على قلبه أغلاق الهوى والغفلة أن يصل شيء من علمه وهداه ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون َ بِالْآخِرَ ةِ حِجَاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنَ ا عَلَى قُلُوبِهِم ْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوه ُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِه ِمْ نُفُوراً ﴾ [الاسراء: 45-46].

نعوذ بالله من ذلك، ونحمده سبحانه أن عافانا وهدانا بهدى القرآن والنبي عليه الصلاة والسلام. ونسأله سبحانه أن يديم علينا نعمة هذه العافية حتى يأتينا اليقين.

مجلة الهدي النبوي - المجلد السادس - العدد (7-8) - ربيع الثاني سنة 1361هـ




الشيخ محمد حامد الفقي