باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد، أبدأ مستعينة بالله سائلته التوفيق والسداد:


فضلا لا تتعجبن من هذا العنوان، علّ يصدّقه ما يلي في بسط الكلام: كانت صحبة من أخوات نحسبهم خيّرات، اجتمعن في مسجد على غير ميعاد كلٌ ذهبت تطلب الواجب لدينها من العلم، عساها تُرزق بفقه في الدين أو فهم، أو تحوز بحسن تلاوتها الق***، أو تتعلم لصلاتها تفاصيل سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورزق الله هذه الجموع بمعلمة أريبة ، كانت إلى النفوس وفي القلوب حبيبة، والتقى الجمع الشتيت، والتلف بحب وترابط شديد يشربون من العلم والتقوى ما به النفس تعلو وترقى يلتمسون سويا الطريق إلى الهدى و الرشاد ، بكل حب وترابط وألفة ووداد.


تقودهم معلمة تبث في الجمع قوة الإيمان ، شعارها : التمسك بأقوى شرائع الإسلام، تأبى إلا تحقيق مراتب الإحسان، ترنو إلى أعلى المنازل في الجنان، فأسلمن لروحها العلية قَودهم ، ابتغاء نوال م***ضي ربهم، ومرت سنوات وسنوات والجمع في خير وبركة وازدياد، وكنتُ معهم في الطريق شاهدة، بل أول الجميع لمعلمتنا مؤيدة، وكان لسان قالنا وحالنا على الدوام : جميع الخلق عدانا من المقصرين، عصاة يرضون الدنية في الدين، ونحن بفضل الله حملة لواء العلم والعمل، نتبع أحسن ما على رسولنا قد نزل .... أستغفر الله وأتوب إليه .


مع المحن تأتي المنح سبحان الملك .


وبعد سنوات ليست بالكثيرة: ولأن دوام الحال من المحال، وليس في دنيانـا ثبات ولا استقرار، حدث ما لم يكن في الحسبان، ومُنعت معلمتنا من الدعوة والاستمرار ، وتقطعت نياط القلوب كمدا وألما، وفاضت المآقي أنهارا غما وحَزنا، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، فكأنما أرواحنا من أجسادنا سُلت؛ وتضرعت لخالقها القلوب، وقد كادت من شدة تفطرها تذوب: تلجأ إلى القوي القدير ألا يحرمها بذنوبها من طيب صحبة ومن علم رائق جليل، ودام تضرعنا أياما كالدهور، حتى مَـنَّ الوهاب علينا ببارقة من أمل ونور، فرزقنا الكريم معلمتين كالغيث المطير، وكان تحولا إلى خير فائض وكثـير.


دوام الحال من المحال


قلنا: رزقنا الكريم معلمتين كالغيث المطير، وكان تحولا إلى خير فائض وكثـير، ومرعلى الجمع عام بل ربما زاد القليل، وإذا بخطب شامل وجليل: حظر شامل لجميع المجالس؛ وفاضت الأحزان والكروب ولما يندمل جرح القلوب؛ ورفعت الأكف إلى ربّ السماء: اللهم أغث المضطر وأجب الدعاء، اللهم: ارحم ضعفنا، وفرّج كربنا، وأذهب عنا السوء والبلاء.


فاستجاب الكريم لدعائنا وكانت مجالس البيوت مستقرا لنا؛ فأشرقت لنا شمس الأمل، وعادت جميع المعلمات لاستئناف العمل، وتقلبنا سنوات طوال بين أنواع النعم، ننهل من كلٍ ما حباها الله به من فضل وفن .
وكثيرا ما كانت تجمعنا جميعا مناسبات نتنسم فيها أريج رياض الجنات، كانت القلوب صافية، وسعادتنا بالجمع والعلم فائضة طاغية.


كم تعاونا على برٍ وتقوى! وتدارسنا ما به الإيمان يحيا و يقوى! ومرت علينا أحداث الحياة، وكلنا يستمد من الجمع ما يرضي سيده ومولاه.


ولأن دوام الحال من المحال، وكل شيء إلى تغيّير وزوال، وفي الأخير: وقعت الواقعة فلم يكن لها من رافعة ولا دافعة ....!!


وقعت الواقعة .. إنا لله وإنا إليه راجعون ...


" من اعترض انطرد " سمعناها عن الصوفية، " إما الموافقة أو المفارقة " سمعناها عن متعصبة المذهبية، " من لم يكن معنا فهو علينا " سمعناها عن الفرق غير السوية .


أما أن يعاملك بمقتضى كل تلكم المعاني والكلمات رفقاء طلب في الحيات !!! من كنت تأمل صحبتهم طوال الحياة وبعد الممات !!!


كيف صار الولي الحميم أشد عليك من العدو المبين !!! فهل بقي شيء له أمان؛ بل على الدنيا السلام !!!
فهل كان ما بيننا حبّا صادقا يوما، أم أنه كان زيفا كاذبا وهما !!!




ومع هطول الدمع كنت أردد على القلب والسمع:


إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا *** فدعه ولا تكثر عليه التاسفا


ففي الناس أبدال وفي الترك راحة *** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا


فماكل ماتهواه يهواك قلبه *** ولا كل من صافيته لك قد صفا


إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة *** فلا خير في خل يجيء تكلفا


ولاخير في خل يخون خليله *** ويظهر سرًا كان بالأمس قد خفا


سلام على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديق صدوق صادق الوعد منصفا


يا من كنتم - يوما - في الله أخوتي أما علمتم بمصيبتكم ومصيبتي: قتل الحب واغتيل الوداد وبقايا قلب في رماد.
انتهــى .


أم هانئ