عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا[1] السبع الموبقات[2]، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر[3]، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).

إن للحسنات درجات، وللسيئات درجات، فما كان من الحسنات نفعه كبيراً، كان ثوابه عند الله عظيماً، وما كان دون ذلك كان ثوابه أدنى، وكذلك السيئات؛ فما كان ضرره بليغاً فهو الفاحشة المهلكة والكبيرة الموبقة، وما كان دون ذلك فهو الصغيرة التي يكفرها اجتناب الكبيرة.. وعلى كلٍّ: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَا تِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَ اتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِر ِينَ ﴾ [هود: 114].

لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الشريف باجتناب السبع الموبقات وليس الغرض حصر الموبقات في هذه السبع. بل الغرض التنبيه بها على أمثالها أو ما زاد فحشه عن فحشها كالزنا، والسرقة والغلول - الخيانة في الغنيمة - وأمثالها من الكبائر التي جاء فيها الوعيد الشديد بالعذاب الأليم.

وهاكَ بيانَ السبع:
1- الشرك - وهو أكبر الذنوب وفيه يقول تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

2- السحر - وهو حُوبٌ كبير ووزر عظيم لأن فيه تلبيساً وتعمية وستراً للحقائق ووضع غشاء على الأبصار وإضلال العامة وزلزالاً لعقيدتهم في ترتب المسببات على أسبابها والنتائج على مقدماتها، فإن كان من سبله الاتصال بالشياطين، والتقرب إليهم بالعصيان كانت تلك أضراراً أخرى وإن كان منه ما يؤثر في القلوب بالحب والبغض كان أشد فحشاً وأعظم ضرراً، وقد اتفق العلماء على حرمة تعلم السحر وتعليمه وتعاطيه، وقالوا إن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كان كفراً، وقال مالك وأحمد وجماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم تعاطي السحر كفر يوجب القتل.

3- قتل النفس المحرمة وإزهاق الروح الآمنة البريئة وإراقة الدماء الطاهرة التي يقول فيها جل وعلا: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّم َا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32] وقد أعد الله للقاتلين عقاباً على جريمتهم جهنم وساءت مصيراً، فقال: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّد ًا فَجَزَاؤُه ُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

4- أكل الربا وهو ظلم للإنسان وأكل لماله بالباطل ومحاربة لله ورسوله وموجب للخلود في النار كما حكى القرآن الكريم، وكيف لا يكون ذلك وأنت تنتهز فرصة الإعسار وشدة الفقر وخلو اليد الذي يوجب عليك الصدقة فتمزج الجنيه بعشرة قروش أو عشرين ثم تفعل ذلك كلما حل الأجل حتى يكون الربا أضعافاً مضاعفة ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَا تِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]. وما الأزمة الحاضرة التي اكتنفت العالم بأجمعه إلا من نتيجة التعامل بالربا، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكله وموكله وكاتبه وشاهده.. فليسمع المرابون.

5- أكل مال اليتيم وكان واجباً على الناس أن يكفلوه ويراعوه ويساعدوه حتى يبلغ أشده، ولكن هناك نفوس خبيثة نهمة شرهة تنتهز فرصة الصغر والضعف فتأكل أموال اليتامى إسرافاً وبداراً أن يكبروا وفيهم يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُون َ أَمْوَالَ الْيَتَامَ ى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُون َ فِي بُطُونِهِم ْ نَارًا وَسَيَصْلَ وْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

6- التولي يوم الزحف والفرار من لقاء العدو الهاجم والعدو المناجز، فإن ذلك الجبن، وإن ذلك إضعاف الشوكة والفت في عضد المجاهدين وضياع البلاد وإضعاف الدين أو القضاء عليه وتمكين الأعداء من دمائنا ونسائنا وأموالنا. ﴿ يَاأَيُّهَ ا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُ مُ الْأَدْبَا رَ * وَمَنْ يُوَلِّهِم ْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّف ًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّز ًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاه ُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 15، 16].

7- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وكيف لا يكون جريمة منكرة أن يعمد الناس إلى امرأة متمتعة بالحصانة بعيدة عن الريبة لا تخطر بقلبها الفاحشة ولا تتحدث بها نفسها الطيبة فجزاؤه ما قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِين َ يَرْمُونَ الْمُحْصَن َاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَ ةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُو هُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِك َ هُمُ الْفَاسِقُ ونَ ﴾ [النور: 4] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَ ةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ ةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون َ ﴾ [النور: 19] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَن َاتِ الْغَافِلَ اتِ الْمُؤْمِن َاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ ةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُ هُمْ وَأَيْدِيه ِمْ وَأَرْجُلُ هُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ ﴾ [النور: 23، 24].

فيا أيها المسلم! لا تدنس نفسك بهذه الموبقات فتوجب غضب الله وغضب رسوله واحتقار الناس وتعرضها لشديد العذاب في الدنيا والآخرة، بل اجعلها الطاهرة النقية الطيبة المهذبة التي لا ترضى بالخير بديلاً.

فهذه نصيحة شاب من شباب محمد صلى الله عليه وسلم يقتبسها من سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين يقدمها إلى إخوانه المسلمين عملاً بمبادئ الشباب المحمديين لا يبتغي بها إلا وجه الله عز وجل، والله لا يضيع أجر المحسنين.


[1] الاجتناب: الابتعاد وأصله جعل الشيء على جنب.
[2] الموبق المهلك.
[3] السحر يطلق عند العرب على كل ما لطف مأخذه يقال: سحرت فلاناً إذا خدعته ومنه سحر العيون.


الشيخ عبدالرحمن الخاني