عن أبي رفاعة العدوي رضي الله عنه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله، رجلٌ غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فأقبل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إليَّ، فأتي بكرسي حسِبتُ قوائمه حديدًا، قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها؛ رواه مسلم[1].

يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: لقد امتن الله تعالى على عباده المؤمنين بأعظم منة؛ حيث بعث فيهم رسولًا عظيمًا معلمًا ومربيًا؛ ليهديهم إلى صراطه المستقيم، وليتعلموا منه ويتأسوا به في جميع شؤونهم؛ فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِن ِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِ مْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّي هِمْ وَيُعَلِّم ُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْم َةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا لأننا بحاجة إلى التعليم والتربية، وهكذا كان؛ فقد علم صلى الله عليه وسلم وربى، ومما علمناه: منهج الدعوة إلى الله تعالى، القائم على الرفق بالجاهلين، مع الحرص على تعليمهم ما يصلون به إلى ربهم جل وعلا، وما في هذا الحديث ما هو إلا موقفٌ من المواقف العظيمة لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.

الفائدة الثانية: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أرفق الناس، وكان يأمر أصحابه رضي الله عنهم بالرفق ويحثهم عليه، ويطبقه بنفسه صلى الله عليه وسلم مع سائر الناس، حتى لو أخطؤوا في حقه وأساؤوا إليه، وقد وصفه الله تعالى بلين الجانب؛ فقال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّ وا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْف ِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْه ُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]، وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق قاعدة عامة، بيَّن فيها أن الرفق مشروع في كل أمر؛ فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه))؛ رواه مسلم[2].

الفائدة الثالثة: لقد جعل الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم القدوة لكل مسلم؛ فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْم َ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؛ فما من مسلم إلا ويجد له في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة في المجال الذي يعمل فيه، وأعظم مجالات الاقتداء به صلى الله عليه وسلم هو مجال الدعوة والتربية والتعليم؛ فهو مهمة الأنبياء عليهم السلام الأساسية، والمسلم يجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مجالًا رحبًا للاقتداء به في ذلك، وهذا المجال ليس حكرًا على فئة من الناس، بل كل مسلم له منه نصيبٌ، فكل مسلم ينبغي أن يكون معلمًا ومربيًا لأولاده وإخوانه وأصحابه والمسلمين الجدد، وغيرهم، بحسب ما عنده من العلم والبصيرة؛ وذلك لأن كل مسلم ينبغي أن يكون داعيًا إلى الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِ ي وَسُبْحَان َ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِك ِينَ ﴾ [يوسف: 108]؛ حيث جعل الله تعالى الدعوة إلى الله تعالى سبيل رسول الله وسبيل جميع أتباعه، واشترط في ذلك أن تكون على بصيرة، وهي العلم، فكل مسلم يدعو إلى الله تعالى بما عنده من العلم، ولا يتجاوزه إلى ما لا يعلمه.


[1] رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب حديث التعليم في الخطبة 2/ 597 (876).
[2] رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق 4/ 2004 (2594).


الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري