التعريف:لغة: الصدر: أعلى مقدَّم كلِّ شيء وأوله، وكلُّ ما واجهك، حتى إنهم ليقولون: صدر النهار والليل، وصدر الشتاء والصيف.واصطلاحًا: تعلُّق القلب بالسعي لنيل المناصب والرئاسات الدينية والدنيوية لذَاتِها، بالرغم من وجود من هو أفضل وأحقُّ بها منه.أحاديث النهي عنها:وردت نصوص نبوية تنهى عن سؤال الإمارة وتَمَنِّيه ا، وتحذِّر من ذلك، وتبين عاقبته، وتنهى عن توليةِ من سألها أو حرَص عليها، وهي وإن كان يتبادر إلى الذهن أنها واردة في الإمارة الدنيوية؛ إمارة السُّلطان والوالي، فإن دَلالتَها أشملُ من ذلك وأوسع، فهي تتناول الولاياتِ والإمارات الدينيةَ والدنيوية على حدٍّ سواء.ومن تلك الأحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا عبدَالرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أُعطيتَها عن مسألة وُكِلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها))[1].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يومَ القيامة، فنعم المرضعةُ! وبِئستِ الفاطمةُ))[2]، فهي محبوبة للنفس في الدنيا، ولكنها (بئست الفاطمة) بعد الموت! حين يصير صاحبها للحساب والعقاب، وفي رواية أخرى: ((أولها ملامة، وثانيها ندامةٌ، وثالثها عذابٌ يوم القيامة، إلا من عدَل)) [3]، وقال صلى الله عليه وسلم للرَّجلين اللَّذين سألاه الإمارة: ((إنَّا لا نولِّي هذا مَنْ سأله، ولا من حرص عليه))[4].حكمها في ميزان الإسلام:الأصل النهيُ عن سؤالها وطلبِها والسَّعيِ في تحصيلها؛ لما ذكرناه من الأحاديث، ولما فيه من المفاسد المترتبة على التطلُّع إليها، أما من أتته الرئاسةُ والإمارة دون استشراف إليها، فعليه القيام بها خصوصًا وهو مستحقٌّ لها؛ لما أعطاه الله من المواهب والقدرات والخبرات ووفَّقه إليها.وقد ينبغي في بعض الأحوال للمرء طلبُ هذه الوظيفة الشريفة، بل قد تتعيَّن عليه، للمصلحة والنفع العام، كما قال تعالى: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، وعن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت: يا رسولَ الله، اجعلني إمام قومي، فقال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخِذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا)) [5]، وقد تطلَّع عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه إليها فنالها؛ فكان جديرًا بها وأهلًا لها.مظاهرها:1- العُجب بالنفس، وكثرة مدحها، والحرص على وصفِها بالألقاب المفخمة كالشيخ، والعالم، والأستاذ، والدكتور، والداعية، وطالب العلم، ونحوها، وإظهار محاسنها من علم وخُلُق وغيره.2- بيان عيوب الآخرين وخاصة الأقرانَ، والغيرة منهم عند مدحِهم، ومحاولة التقليل من شأنهم.3- الشكوى من عدم نَيْله لمنصبٍ ما، وكثرة سؤاله عن الأسس والمعايير لتقلُّد بعض المناصب.4- الحرص على تقلُّد الأمور التي فيها تصدُّر وبروز؛ كالإمامة والخطابة والتدريس والتأليف والقضاء، وهي من فروض الكفاية التي لا بدَّ لها ممن يقوم بها، مع مراعاة أحوال القلب، والتجرُّد من حظوظ النفس؛ كما هو حال السلف.5- عدم المشاركة بجدية عندما يكون مرؤوسًا، والتهرُّب من التكاليف التي لا بروزَ له فيها.6- كثرةُ النقد بسبب وبغير سببٍ، ومحاولة التقليل من أهمية المبادرات والمشاريع الصادرة من غيره، والعمل على إخفاقها.7- الإصرار على رأيه، وعدم التنازل عنه، وإن ظهرت له أدلةُ بطلانه.8- القرب من السلاطين والولاة ومَن بيدِه القرار في تقليد المناصب، وكثرة الدخول عليهم، وهذا باب واسعٌ يدخل منه علماءُ الدنيا لنيل الشرف والجاه، وهو مظِنَّةٌ قوية للفتنة في الدين، كما في الحديث: ((من أتى أبواب السلطان افتتن))[6].9- الجرأة على الفتوى، والحرص عليها، والمسارعة إليها، والإكثار منها، وقد كان السلف يتدافعونها كثيرًا؛ ومن ذلك ما قاله عبدالرحمن بن أبي ليلى: "أدركت ُ عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم محدِّث إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه الفُتيا".الأسباب والدوافع:1- ضعف الإيمان والرغبةِ فيما عند الله.2- الإكثار من المدح، والغفلة عن متابعة المرض، وعدم علاجه من البداية.3- الظنُّ بخدمة الدعوة من خلال المنصب، وبأن الإصلاح لا يكون إلا من مصدر القوة.4- الثغرات الموجودة في المبتلى من الغيرةِ من الأقران، والغرور بسبب التفوق والبروز في مجال عمله.5- الاعتقاد بأن المنصب تشريفٌ، والغفلة عن كونه تكليفًا ثقيلًا، ومسؤوليةً ضخمة، وعبئًا ثقيلًا.الأضرار والمفاسد:1- فساد النية، وضياع الإخلاص أو ضعفُه، ودنوُّ الهمة، والغفلة عن الله تعالى، وعن الاستعانة به.2- انصراف الهمِّ عن المهمة الأساس، والغاية الكبرى من حياة العبد؛ وهي تحقيق العبودية لله عز وجل.3- المداهنة في دين الله تبارك وتعالى، بالسكوت عما يجب قولُه والقيام به من الحق، وربما بقول الباطل.4- اتباع الهوى، وارتكاب المحرَّمات من الحسد والظلم والبَغْي والعدوان ونحوه، مما يوقع فيه هذا الحرصُ ويستلزمه أحيانًا، قال الفُضيل بن عياض: "ما من أحد أحبَّ الرئاسة إلا حسَد وبغى، وتتبَّع عيوب الناس، وكره أن يُذكر أحدٌ بخير!".5- الحرمان من توفيق الله وعونه وتسديده؛ ((فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وُكِلت إليها))[7].6- تعريضُ النفس للفتنة في الدين، التي يترتَّب عليها غضب الله تعالى، والغفلة عن مراقبة اللهِ، والوقوف للحساب بين يديه، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من أميرٍ إلا يؤتَى به يوم القيامة مغلولًا لا يفكُّه إلا العدلُ، أو يُوبقه الجورُ))[8].العلاج:1- التربية على الإخلاص والتجرُّد لله تبارك وتعالى، والعمل للآخرة، والزهد في الدنيا.2- التربيةُ على الطاعة وهَضْم النفس منذ الصغر، والرضا بالموقع الذي يعمل فيه، وأداء واجبه أيًّا كان نوعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسِه في سبيل الله، أشعث رأسُه، مغبرةٍ قدماه، إن كان في الحراسةِ كان في الحراسة، وإن كان في السَّاقة كان في الساقة، إن استأذن لم يُؤذَنْ له، وإن شفع لم يُشَفَّع))[9].3- التزام الضوابط الشرعية في المدح، وتجنُّب مدح أحد الأقران أمام قرينه مطلقًا.4- المصارحةُ والمكاشفة لمن تبدو عليه علاماتُ الحرص، مع بيان الآثار المفسِدة لنفسه من جرَّاء حرصه عليها، توضيح تبعاتها في الدنيا والآخرة.5- الاعتبار بحال السلف الصالح في تواضعِهم لله تعالى، وكراهيتِهم الشهرةَ والتصدُّر، وكل ما يؤدي إليها، ومحاولة عزل أنفسهم من بعض المواقع.المراجع: شرح حديث: ((ما ذئبان جائعان))؛ لابن رجب. خواطر في الدعوة؛ لمحمد العبدة. آفات على الطريق؛ لمحمد نوح، ج2. جامع بيان العلم وفضله؛ لابن عبدالبر.مقالة في مجلة البيان عدد 122؛ لعبدالحكيم بن محمد بلال.

[1] أخرجه البخاري برقم: (6622)، و(6722)، و(7146)، و(7147)، ومسلم برقم: (4292)، و(4742)، و(4294)، و(4743).

[2] أخرجه أحمد برقم: (9791) و(10165)، والبخاري برقم: (7148)، والنسائي برقم: (4211)، و(5385) في "الكبر ى برقم: (5896)، و(7788)، و(8694).

[3] أخرجه أحمد برقم: (22300).

[4] أخرجه البخاري: 7149، ومسلم: (1733).

[5] أخرجه أحمد برقم: (16378)، وأبو داود برقم: (531)، وغيرهما.

[6] أخرجه أحمد برقم: (3362)، والترمذي برقم: (2406)، والنسائي برقم: (4309)، وانظر: صحيح الجامع؛ للألباني، ح: 6124.

[7] سبق تخريجه.

[8] أخرجه أحمد برقم: (9570)، وانظر: صحيح الجامع؛ للألباني، ح: 5695.

[9] أخرجه البخاري برقم: (2887).