إن أقوى شيءٍ يمكن أن يؤثر في حياة الإنسان، بل في حياة الشعوب والأمم: (الكلمة)؛ فبالكلمة المحفِّزة تنشط الهمم، وترتفع المعنويات، وتتم أعظم الإنجازات، وبالكلمة المثبطة تفتُرُ الهمم، وتخور العزائم، وتُبدَّد الطاقات، والكلمة في ديننا الحنيف لها شأن عظيم؛ فالإنسان يدخل الإسلامَ بكلمة، ويخرج منه بكلمة، والإنسان يتزوج بكلمة، ويطلِّق بكلمة، بل إن الإنسانَ تُعتق رقبته من ذلِّ الرِّق والعبودية بكلمة.

أولًا: الكلمة في القرآن الكريم:
إن الكلمة في القرآن الكريم لها شأن عظيم؛ فلقد وصفها القرآنُ الكريم بالشجرة الطيبة تارة، ووصفها بالشجرة الخبيثة تارة أخرى، وفي موضع سماها كلمة الكفر، وبالكلمة يُثيب تعالى أقوامًا، وبسببها يلعَن آخَرين.

أ) جعَل الله تعالى من آياته الدالة على قدرته وعظمته اختلافَ الألسن، وأمر الله تعالى الإنسان بحُسن استعمال اللسان، وأكَّد سبحانه أنه يُحصي على الإنسان ألفاظَه، وسيُحاسبه عليها؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْض ِ وَاخْتِلَا فُ أَلْسِنَتِ كُمْ وَأَلْوَان ِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِم ِينَ ﴾ [الروم: 22].

2 - قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْ نِ * وَهَدَيْنَ اهُ النَّجْدَي ْنِ ﴾ [البلد: 8 - 10].

3 - قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَك ُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم ْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه ُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

4 - قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَا نَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَا نَ كَانَ لِلْإِنْسَ انِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

5 - قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

6 - قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُ هُمْ وَأَيْدِيه ِمْ وَأَرْجُلُ هُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ ﴾ [النور: 24].

7 - قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَر َ وَالْفُؤَا دَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].

ب) الكلِمة قد تصعَد بصاحبها إلى عِلِّيين، وقد تَهوي به إلى أسفل سافلين؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَ ا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَا لَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم ْ يَتَذَكَّر ُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ [إبراهيم: 24 - 26].

ج) كلمة الحق والانقياد لأمر الله تعالى لهما نتيجةٌ محتومة، وهي القَ***، والدرجات العلى، والنعيم المقيم:
1 - قال تعالى: ﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَ ا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِ ينَ * فَأَثَابَه ُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَا رُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِن ِينَ ﴾ [المائدة: 84، 85].

2 - قال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْم ِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِك َتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ ا غُفْرَانَك َ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

3 - قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُو ا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَ هُ الَّذِي وَاثَقَكُم ْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ ا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [المائدة: 7].

4 - قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِن ِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِه ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ ا وَأُولَئِك َ هُمُ الْمُفْلِح ُونَ ﴾ [النور: 51].

د) كلمةُ الضلال وعدم الانقياد لأمر الله تعالى لهما نتيجةٌ محتومة، وهي اللعنة، ودرَكات الشقاء والعذاب الأليم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة ٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِم ْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَت َانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيد َنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْ نَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَ ةَ وَالْبَغْض َاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَ ةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَ ا اللَّهُ وَيَسْعَوْ نَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِد ِينَ ﴾ [المائدة: 64].

2 - قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُ مْ وَرَفَعْنَ ا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُ مْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُو ا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَ ا وَأُشْرِبُ وا فِي قُلُوبِهِم ُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِ مْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُ مْ بِهِ إِيمَانُكُ مْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َ ﴾ [البقرة: 93].

3 - قال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُو نَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه ِ وَيَقُولُو نَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَ ا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَ تِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ ا وَاسْمَعْ وَانْظُرْن َا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِ مْ فَلَا يُؤْمِنُون َ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 46].

4 - قال تعالى: ﴿ يَحْلِفُون َ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِه ِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُم ُ اللَّهُ وَرَسُولُه ُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّو ْا يُعَذِّبْه ُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ ةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 74].

5 - قال تعالى: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِ مْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِه ِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف:4، 5].

6 - قال تعالى: ﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَ كُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ [طه: 61].
♦ ﴿ فَيُسْحِتَ كُمْ ﴾ [طه: 61]: فيُهلِككم ويستأصلكم.

هـ) أمَر اللهُ تعالى عباده المؤمنين بالطاعة والانقياد للأمر؛ تجنُّبًا لمآل المكذِّبين ؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه ُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُون َ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين َ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُون َ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ ِ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُون َ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَ هُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُ مْ لَتَوَلَّو ْا وَهُمْ مُعْرِضُون َ ﴾ [الأنفال: 20 - 23].

و) جعَل اللهُ تعالى شَهادةَ الزُّور مِن أكبر الكبائر، وحذَّرنا منها؛ قال تعالى: ﴿... فَاجْتَنِب ُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَا نِ وَاجْتَنِب ُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30].‏

2 - قال تعالى: ﴿ وَالَّذِين َ لَا يَشْهَدُون َ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْو ِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72].

ز) ليس مِن المُروءة ولا من أخلاق المسلم أن يشهَدَ الإنسانُ مجالسَ اللغو، أو يخوض فيما لا طائل منه ولا فائدة؛ قال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْ زَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِ قِينَ وَالْكَافِ رِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140].

2 - قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنّ َكَ الشَّيْطَا نُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِ ينَ ﴾ [الأنعام: 68].

3 - قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَر َ وَالْفُؤَا دَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].

4 - قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِن ُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِم ْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِين َ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون َ ﴾ [المؤمنون: 1 - 3].

5 - قال تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْن َهُ بِأَلْسِنَ تِكُمْ وَتَقُولُو نَ بِأَفْوَاه ِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُ ونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُ وهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّم َ بِهَذَا سُبْحَانَك َ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َ ﴾ [النور: 15 - 17].

6 - قال تعالى: ﴿ وَالَّذِين َ لَا يَشْهَدُون َ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْو ِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72].

7 - قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُن َا وَلَكُمْ أَعْمَالُك ُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِ ينَ ﴾ [القصص: 55].

ح) عظَّم اللهُ تعالى أمر الجهاد بالكلمة، وحثَّ عليه؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِي مَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِي مُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِي مُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْس ِ مِنَ الْمَشْرِق ِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِب ِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِ ينَ ﴾ [البقرة: 258].

2 - قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِي مَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْ نِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَا نَ إِنَّ الشَّيْطَا نَ كَانَ لِلرَّحْمَ نِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَن ِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَ انِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 45].

3 - قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَ ةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَل ِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُ مْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُون َ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون َ * أَأَتَّخِذ ُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَن ُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُه ُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُون ِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُم ْ فَاسْمَعُو نِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون َ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِ ي مِنَ الْمُكْرَم ِينَ ﴾ [يس: 20 - 27].

4 - قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُ ونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّ نَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28]... إلى قوله تعالى: ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 45].

ط) أكَّد اللهُ تعالى أن مِن أخلاق الداعية أن يكون رحيمًا هيِّنًا ليِّنًا، حُلْو اللسان مع مَن يدعوهم ليستميلَ قلوبهم ويستجيبوا لأمره؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّ وا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْف ِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْه ُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل ْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَك ِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

• قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْم َةِ وَالْمَوْع ِظَةِ الْحَسَنَة ِ وَجَادِلْه ُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْت َدِينَ ﴾ [النحل: 125].

• بهذه الآياتِ الكريمات وغيرها لم يترُكِ اللهُ تعالى منفذًا أمام الكلمة الخبيثة إلا سَدَّه، وحصَّن المسلم الذي يبتغي وجهَه تعالى ومثوبته مِن جريرتها وعاقبة أمرها، وكذلك فتح الله تعالى البابَ على مصراعيه أمام الكلمة الطيبة، ورغَّب فيها، ووعَد أهلها بوافر نعيمه وفسيح جنَّته.

ثانيًا: الكلمة في الأحاديث النبوية المطهرة:
لقد أوتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم جوامعَ الكلم؛ فكان صلى الله عليه وسلم يتخوَّل أصحابه بالنصيحة الهينة والموعظة الحسنة في كُلَيمات معدودات، ولكنها كانت كالترياق الذي لا يقف أمامه مرَض عُضال، وهذا ليس بغريب على مَن زكَّى الله تعالى لسانه فقال: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 3 - 5].

1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبدَ ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفَعُه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة مِن سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يَهوي بها في جهنم))؛ (رواه البخاري).

2 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح ابنُ آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان، تقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوجَجْتَ اعوججنا))؛ (رواه الترمذي).
♦ تكفِّر اللسان؛ أي: تذِلُّ وتخضع له.

3 - عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أنؤاخذ بكل ما نتكلَّم به؟ فقال: ((ثكِلَتْك أمُّك يا معاذُ بن جبلٍ، وهل يكُبُّ الناسَ على مناخِرِهم في جهنَّمَ إلا حصائدُ ألسنتهم؟!) )؛ (صححه الألباني).

4 - عن عديِّ بن حاتم الطائي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمانٌ، فينظُر أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاءَ وجهه؛ فاتقوا النارَ ولو بشِق تمرةٍ))، زاد ابن حُجْرٍ: قال الأعمش: وحدثني عمرو بن مرة عن خَيْثمة، مثله، وزاد فيه: ((ولو بكلمةٍ طيبةٍ))؛ (رواه مسلم).

5 - عن أسلمَ مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إن عمر دخل يومًا على أبي بكرٍ الصديق - رضي الله عنهم - وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه! غفر الله لك! فقال له أبو بكرٍ: إن هذا أوردني الموارد)؛ (صححه الألباني).
♦ يجبذ: جبذ الشيء جذبه، شدَّه إليه، حوَّله عن مكانه.

6 - عن عقبةَ بن عامر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسِكْ عليك لسانَك، وليَسَعْك بيتك، وابكِ على خطيئتك))؛ (رواه الترمذي).

7 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوَى، ولا طِيَرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، والكلمة الطيبة))؛ (رواه مسلم).

8 - عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: سأل أناسٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهَّان، فقال لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ليسوا بشيءٍ))، قالوا: يا رسول الله، فإنهم يُحدِّثون أحيانًا الشيء يكون حقًّا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة مِن الجن، يخطَفها الجني، فيقرُّها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبةٍ))؛ (رواه مسلم).
♦ قر الكلام في أذنيه: صبَّه فيهما ليحوله عن رأيٍ كان عليه.

9 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء الأسلميُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشهِد على نفسه أربع مراتٍ بالزنا، يقول: أتيتُ امرأةً حرامًا، كلَّ ذلك يعرِض عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل في الخامسة فقال له: ((أنِكْتَه ا؟)) قال: نعم، قال: ((فهل تدري ما الزنا؟))، قال: نعم، أتيتُ منها حرامًا مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالًا، قال: ((فما تريد بهذا القول؟!))، قال: أريد أن تطهِّرني، فأمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُرجم، فرُجم، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلينِ مِن أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدَعْه نفسُه حتى رُجم رَجْم الكلب، فسكَت عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً، فمرَّ بجيفة حمارٍ شائلٍ برِجْليه، فقال: ((أين فلانٌ وفلانٌ؟))، فقالا: نحن يا رسول الله، فقال لهما: ((كُلَا من جيفة هذا الحِمار))، فقالا: يا رسول الله، غفَر الله لك! مَن يأكل من هذا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نلتما مِن عِرض هذا آنفًا أشدُّ مِن أكل هذه الجيفة؛ فوالذي نفسي بيده، إنه الآنَ في أنهار الجنَّة))؛ (رواه ابن حزم في المحلى).
♦ شائلٍ: شال الشيء: ارتفع.

10 - عن عائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: حكيتُ للنبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فقال: ((ما يسُرُّني أني حكيت رجلًا وإن لي كذا وكذا))، قالت: فقلت: يا رسول الله، إن صفيةَ امرأةٌ وقالت بيدها هكذا! كأنها تعني: قصيرة، فقال: ((لقد مزجتِ بكلمةٍ لو مُزج بها ماء البحر، لمُزج))؛ (رواه الترمذي).

11 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمتانِ خفيفتان على اللسان، ثقيلتانِ في الميزان، حبيبتانِ إلى الرَّحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ (رواه البخاري ومسلم).

12 - عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن رأى منكم منكرًا فليُغيِّرْ ه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ (صححه الألباني).

13 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجُلانِ من المشرق فخطبا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن مِن البيان لسِحرًا))؛ (رواه البخاري).

14 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيِّد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه، فقتله))؛ (حسنه الألباني).

15 - عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من نبيٍّ بعَثه الله في أمَّةٍ قبلي، إلا كان له مِن أمَّتِه حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنَّته، ويتقيَّدون بأمره، ثم إنها تخلُفُ مِن بعدهم خلوفٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمَرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ، ليس وراء ذلك مِن الإيمان حبةُ خردلٍ))؛ (صححه الألباني).

16 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جاهِدوا المشركين بأموالكم، وأنفسِكم، وألسنتكم)) ؛ (رواه أبو داود).

17 - عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائِهم وأموالهم)) ؛ (رواه الترمذي).

18 - عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المُفلِس؟) )، قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتَم هذا، وقذَف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طرح في النار))؛ (رواه مسلم).

19 - عن المُغيرةِ بن شعبة رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن اللهَ كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال))؛ (رواه البخاري).

20 - عن المعرورِ بن سويد رضي الله عنه، قال: رأيتُ أبا ذرٍّ وعليه حلةٌ، وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك؟ قال: فذكر أنه سابَّ رجلًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعيَّره بأمه، قال: فأتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ، إخوانُكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يديه فليُطعِمْه مما يأكل، وليُلْبِسْ ه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلِبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه))؛ (رواه مسلم).
♦ خَوَلكم: الخول: عطية الله من النِّعم والعبيد والإماء، وغيرهم من الأتباع والحشم.

21 - عن زيدِ بن أسلم رضي الله عنه: أن عبدالملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجادٍ من عنده، فلما أن كان ذات ليلةٍ، قام عبدالملك من الليل، فدعا خادمه، فكأنه أبطأ عليه، فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتُك الليلة لعنتَ خادمك حين دعوتَه، فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكونُ اللعَّانون شُفعاءَ ولا شهداءَ يوم القيامة))؛ (رواه مسلم).
♦ بأنجادٍ: النجد: ما يزين به البيت من فُرُش وستور.

22 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبُه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه ولا يدخُلُ رجلٌ الجنةَ لا يأمَنُ جارُه بوائقه))؛ (حسنه الألباني).

23 - عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليقل خيرًا أو ليصمُتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفه))؛ (رواه البخاري).

24 - عن جُندُب بن عبدالله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن رجلًا قال: والله، لا يغفِر الله لفلانٍ، وإن الله تعالى قال: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفِرَ لفلانٍ؟! فإني قد غفرت لفلانٍ، وأحبطت عملك))، أو كما قال؛ (رواه مسلم).
♦ يتألَّى: يحلِف.

25 - عن سهلِ بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أضمن له الجنة))؛ (رواه البخاري)
♦ لَحْييه: العظمانِ اللذان فيهما الأسنان - عَظْما الحنك الذي عليه الأسنان.

26 - عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مِن حُسن إسلام المرء: تركُه ما لا يَعنيه))؛ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

27 - عن جابرِ بن سمُرة رضي الله عنه قال: شكا أهلُ الكوفة سعدًا إلى عمرَ رضي الله عنه، فعزله، واستعمل عليهم عَمَّارًا، فشكَوا حتى ذكروا أنه لا يُحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تُحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرِمُ عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأُولين، وأخف في الأُخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلًا، أو رجالًا، إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدَعْ مسجدًا إلا سأل عنه، ويُثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدًا كان لا يسير بالسريَّة، ولا يقسم بالسويَّة، ولا يعدل في القضيَّة، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياءً وسمعة، فأطِلْ عمره، وأطِلْ فقره، وعرِّضه بالفتن، وكان بعدُ إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبدالملك: فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن))؛ (رواه البخاري).
♦ ما أخرم عنها: ما أميل - ما أنقص، (خرم عن الطريق: مال عنه - خرم عن الحديث: نقص منه).

28 - عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: (حفِظتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين: أما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا الحلقوم)؛ (رواه البخاري).

• يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: "قال علماؤنا: وهذا الذي لم يبثَّه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمرِ الفتن، والنص على أعيان المرتدين، والمنافقين ، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى، والله تعالى أعلم).

• قال الإمام الذهبي - رحمه الله - في "سير أعلام النبلاء": "هذا دالٌّ على جواز كتمانِ بعض الأحاديث التي تحرِّكُ فتنة في الأصول أو الفروع، أو المدح والذم، أما حديث يتعلَّق بحِلٍّ أو حرام فلا يحِلُّ كتمانه بوجه، فإنه مِن البينات والهدى، وفي صحيح البخاري: قول علي رضي الله عنه: (حدِّثوا الناسَ بما يعرفون، ودعُوا ما ينكرون، أتحبُّون أن يُكذَّب اللهُ ورسوله)، وكذا لو بثَّ أبو هريرة ذلك الوعاء لأوذي، بل لقُتِل، ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديثَ الفلاني إحياءً للسنة، فله ما نوى، وله أجرٌ - وإن غلط - في اجتهاده".

29 - عن عبدِالله بن عمرو وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه فهو منافقٌ، وإن صام وصلى، وقال: إني مسلمٌ: مَن إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلَف، وإذا ائتُمِن خان))؛ (صححه الألباني).

30 - عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((كفى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بكل ما سمع))؛ (رواه مسلم).

• والأحاديث في هذا الجانب كثيرةٌ؛ فالكلمة قد تُشعل حربًا، وتقوِّض مُلكًا، وتشرِّد شعبًا، وتهدم بيتًا، وتقطع وُدًّا، وتسفِك دمًا، وتَهتِك عِرضًا... إلخ، وكما رأينا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كل ما يوغِر الصدور، ويهتك الستور، حتى ولو بإشارة صغيرة؛ حيث غضب النبي صلى الله عليه وسلم عندما أشارت السيدةُ عائشة أم المؤمنين في حق السيدة صفية أم المؤمنين بأنها قصيرة، وكما حدَث بأن أشار أبو لُبابةَ رضي الله عنه لبني قُرَيظة بأن حُكمَ الله تعالى فيهم القتل، ثم استدرك ما فعل بأن ربط نفسه في سارية المسجد إلى أن تاب الله تعالى عليه، يا له من جيلٍ فريد تتلمذ في مدرسة النبوة، فأعطى للكلمة حقَّها ووزنها، وحاسَب نفسه على الإشارةِ قبل الكلمة.

فأين نحنُ مِن هذه الأخلاق التي ما وُجِد لها مثيلٌ في أمة من الأمم، ولا في جيل من الأجيال؟!
• أقوالُ الصحابة والتابعين عن خطورة الكلمة:
إن الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم أجمعين -قد فطنوا لخطورة الكلمة؛ فلم يقَعوا في شَرَكِها، ولم يستهوِهم معسولُها، وانطلقت ألسنتهم بكلام في التحذير مِن ذلك، يُكتَب بماء العيون.

1 - يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تتكلَّم فيما لا يعنيك؛ فإنه فضل، ولا آمَن عليك الزُّور، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعًا؛ فرُبَّ متكلِّم في أمر يَعنيه قد وضَعه في غير موضعه، فأعنَتَه).

2 - قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه: (القلوب كالقدور تَغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم؛ فإن لسانَه يغترف لك مما في قلبه؛ حُلْو وحامض، وعَذْب وأُجاج، وغير ذلك، ويُبيِّنُ لك طَعْمَ قلبِه اغترافُ لسانِه).

3 - قيل: إن بعضَ أصحابِ أبي دجانة رضي الله عنه قد دخلوا عليه وهو مريضٌ، فكان وجهه يتهلَّل، فقالوا له: (ما بال وجهك يتهلَّل يرحمك الله؟ فقال: ما مِن عمل شيء أوثق عندي مِن اثنين: كنت لا أتكلَّم فيما لا يَعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا).

4 - دخل رجلٌ على عمرَ بن عبدالعزيز، فذكَر له عن رجُلٍ شيئًا، فقال له عمر: (إن شئتَ نظرنا في أمرك، فإن كنتَ كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّن ُوا ﴾ [الحجرات: 6]، وإن كنتَ صادقًا فأنت مِن أهل هذه الآية: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 11]، وإن شئتَ عفَوْنا عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا).

5 - قال الإمامُ الشافعي - رحمه الله - لصاحبه الربيع: (يا ربيعُ، لا تتكلَّم فيما لا يَعنيك؛ فإنك إذا تكلمتَ بالكلمة ملَكَتْك ولم تملِكْها).

6 - قال أبو حاتم - رحمه الله -: (الواجبُ على العاقل أن يلزم الصمتَ إلى أن يلزمه التكلُّم، فما أكثرَ مَن ندم إذا نطق، وأقلَّ من يندم إذا سكت! وأطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً مَن ابتُلِيَ بلسانٍ مطلقٍ، وفؤادٍ مطبقٍ).

7 - قال ابن عساكر: (اعلَمْ يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحومَ العلماء مسمومة، وعادة الله في هَتْكِ أستار منتقصيهم معلومة، فإن مَن أطلق لسانه في العلماء بالثَّلْب، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب)... ﴿ فَلْيَحْذَ رِ الَّذِينَ يُخَالِفُو نَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُم ْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُم ْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

8 - قال الإمام الشافعيُّ رحمه الله:
يخاطِبُني السفيهُ بكل قبحٍ
فأكرَه أن أكون له مجيبَا
يَزيد سفاهةً فأَزيد حِلمًا
كعُودٍ زاده الإحراقُ طِيبَا

• وقال أيضًا:
إذا نطَق السفيهُ فلا تُجِبْه
فخيرٌ من إجابته السُّكوتُ
فإن كلَّمْتَه فرَّجْتَ عنه
وإن خلَّيْتَه كمَدًا يموتُ

• وختامًا: هذا دِيننا.. ما أعظَمَه! يحاسبنا على القول ويحمينا من كل الأقوال.. يحاسبنا على الإشارة ويحمينا من كل الإشارات.. يحاسبنا على النظرة ويحمينا من كل النظرات، فيا له مِن دِين لو امتثلنا لأوامره! ويا له مِن مجتمع لو عشنا فيه كما يريد ربنا ويرضى!
♦ ♦ ♦

• اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق، لا يَهدي لأحسنها إلا أنت، واصرِفْ عنا سيِّئَها لا يصرف عنا سيِّئَها إلا أنت.
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعَه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابَه.

• اللهم طهِّرْ قلوبنا مِن النفاق، وأعمالنا مِن الرياء، وألسنتَنا مِن الكذِب، وأعيُنَنا مِن الخيانة؛ إنك تعلَم خائنة الأعين، وما تُخفي الصدورُ.


محمد عبدالرحمن صادق