كنت أعتقد أن قصتي مع الاختبارات ستنتهي مع آخر اختبار لي في آخر مرحلة تعليمية سأتحصل عليها، وخلال الدراسة مرت علينا أنواع مختلفة وجديدة من الاختبارات (الامتحانا ت) ووسائل القياس؛ مثل الاختبارات الفجائية، وأصعبها وأكثرها هَمًّا هو الامتحان الشامل في جميع ما سبق دراسته خلال سنوات تلك المرحلة، والذي يعتبر تجاوزه شرطًا للتخرج والحصول على الشهادة، وإلا فستذهب كل تلك السنين من الجهد والتعب هباءً منثورًا.
كان بمثابة كابوس، ولكي تتضح الصورة، فلقد بقيت لمدة ثماني سنوات بعد التخرج أحلم بأني لم أتمكن من اجتيازه.

اكتشفت مؤخرًا أن علاقتي مع الاختبارات والامتحانا ت علاقة لن تنتهي قريبًا، وأنَّى؟!
الحقيقة أن المؤمن في مرحلة اختبارات دائمة ودورية، قد تكون في كل لحظة، ومتنوعة في شتى المجالات، وبكافة الطرق والأساليب، بعضها دقيق جدًّا، وبعضها مفاجئ بدون تحضير، وعادة تكون تحت ضغوط وظروف صعبة على الإنسان، وأكثرها خطورة هو ذلك النوع الخفي الذي لا تعلم خلاله أنك في اختبار مصيري قد يودي بمستقبلك إن أخطأت في كلمة واحدة فقط، إضافة لوجود من يحاول جاهدًا - وبكل إمكاناته المتاحة - أن يجعلنا نخفق.

وأبسط هذه الاختبارات - في نظرنا - هو في حقيقة الأمر أهم من أكبر امتحان في أصعب مرحلة دراسية، والمشكلة الكبرى أننا لا نعيرها ذات الأهمية.
عندما تمر امرأة جميلة أمامي، فأنا في اختبار، وتزداد دقة الاختبار في حال كنت بعيدًا عن أعين الناس ولا أحد من البشر يراني.
عندما يبدأ الحديث في المجلس عن مسلم بما يكره، فأنا في اختبار، وتزداد دقته إن كان المتحدث عزيزًا ير** خيره من ذوي الجاه، وكمستوى متقدم إن كان بيني وبين المذكور ما لا يعجبني، فقد تراودني نفسي بالسكوت على أقل تقدير!

وعلى عكس ما يظن البعض؛ فإن كأسًا من خمر، أو علاقة محرَّمة، أو مبلغًا من المال عن طريق محرم كالرِّبا والرشوة، فتلك اختبارات بسيطة؛ وتكمن بساطتها في أن الإجابات وعواقبها معروفة وواضحة للجميع.
الخطر كل الخطر في تلك الاختبارات الخفية التي لا يتنبه لحصولها كثير من الناس، بل لا يعرفون ولا يتوقعون عواقبها الوخيمة، وتعظم المصيبة عند من عرَفها تمام المعرفة وتجاهَلَها أو استصغَرَها .
وفي الحديث: ((والذي نفسِي بيده، إن الشملةَ التي غلَّها يومَ خيبرَ من المغانمِ لم تُصبْها المَقاسمُ - لتشتعلُ عليه نارًا)).
فهي كثيرة جدًّا ولا يمكن حصرها، ولكن على سبيل المثال: عندما يذكر ذلك اللقب قبل ذكر اسمك: (الداعية - المستشار - المحسن - المحدث)، ما هي المشاعر التي تراودنا؟

عندما تبدي رأيًا في مسألة شرعية ويتبين أنك مخطئ، هل ستعتذر وتعترف بكل بساطة أنك أخطأت، أم أنك ستدافع عن رأيك وتعسف النصوص وتلويها بكل طريقة ممكنة لمجرد إثبات أنك كنت على حق؟ دخول في دوامة من المزالق الخطيرة في حظوظ النفس؛ منها الكِبر، وعدم الوقوف عند الحق، وعدم الق*** بحكم الله وشرعه.
عندما نصلي بجانب ذلك العامل المسكين ذي الرائحة غير اللطيفة، ما هو الشعور الذي سيراودنا؟ هل خالطه شيء من الكبر أو الاستعلاء الخفي؟
مصيبة كبيرة وإن كانت بحجم مثقال ذرة.

بين هذا وذاك، نحن في اختبارات متتالية.. عندما نسمع النداء، فنحن في اختبار، عندما نرزق بمبلغ من المال، عندما نبتلى بمصيبة، عندما يُعرض علينا مشروع خيري، عندما نتعامل مع والدينا وأهلنا...
في آخر لحظات حياتنا الدنيوية، عندما تقف الملائكة فوق رأسك، وعندما تلتف الساق بالساق، وتحديدًا عند الغرغرة ولحظات خروج الروح، نكون في مرحلة امتحان صعب جدًّا، وفي أولى لحظات القبر عندما يسمع قرع نعال أصحابه، وعند سؤال الملَكين، ويوم القيامة عندما نُسأل عن أعمارنا وشبابنا وأموالنا ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِ رُ ﴾ [الطارق: 9]، ساعة المرور على الصراط، لو أننا استشعرنا فعلًا هذه الحقائق والعواقب المصيرية لها، لكان الهم الأكبر الذي نحمله هو ذلك الوقت الذي تتط*** فيه الكتب وبانتظار أبِيمينٍ يكون أم بشِمالٍ؟ والعياذ بالله.




د. سليم يعقوب (أبو أميرة)