عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخُلْن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))؛ رواه مسلم[1].

يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: الرجال الذين في أيديهم سياطٌ كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من أعوان الظلمة وغيرهم، قال النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث من معجزات النبوة؛ فقد وقع هذان الصنفان، وهما موجودان، وفيه ذم هذين الصنفين[2]؛ اهـ، والمقصود من ذكرهم في هذا الحديث: التحذير من ظلم الناس بضربهم بغير حق.


الفائدة الثانية: معنى: ((ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات)): قال بعض العلماء - رحمهم الله تعالى -: كاسيات من نعم الله، عاريات من شكرها، لم يقمن بطاعة الله، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره، وقال بعض العلماء - رحمهم الله تعالى -: كاسيات كسوة لا تسترهن؛ إما لرقَّتهِا أو لقِصَرها، فلا يحصل بها المقصود؛ ولهذا قال: ((عاريات)) ؛ لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن، و((مائلات) ) يعني: عن العفة والاستقامة ؛ أي: عندهن معاصٍ وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة، أو يقصِّرن في أداء الفرائض من الصلوات وغيرها،و(( مميلات)) يعني: مميلات لغيرهن؛ أي: يدعين إلى الشر والفساد، فهن بأفعالهن وأقوالهن يُمِلْنَ غيرهن إلى الفساد والمعاصي، ويتعاطين الفواحش؛ لضعف إيمانهن، وقيل: مائلات في مِشيتهن، يتبخترن بقصد الفتنة والإغراء، مميلات لقلوب الرجال، والمقصود من هذا الحديث: التحذير من أنواع الفساد من الرجال والنساء[3].


الفائدة الثالثة: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة)): أنهن يعظمن رؤوسهن بما يجعلن عليها من شعر ولفائف وغير ذلك، حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة، والبخت نوعٌ من الإبل لها سنامان، بينهما شيء من الانخفاض والميلان، هذا مائلٌ إلى جهة وهذا مائلٌ إلى جهة، فهؤلاء النسوة لِمَا عظمن رؤوسهن بما جعلن عليها أشبهن هذه الأسنمة، وهذا الفعل محرم عليهن؛ لِما فيه من التهديد بأنهن من أهل النار، جاء في فتاوى اللجة الدائمة: جمع المرأة شعرها في أعلى رأسها لا يجوز؛ اهـ، وفيها أيضًا: وكذا جمع المرأة شعرها أو لفه حول رأسها حتى يصير كعمامة الرجل، لا يجوز؛ لِما فيه من التشبه بالرجال؛ اهـ[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم في حقهن: ((لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها)) وعيدٌ شديدٌ يوجب تحريم هذا الفعل والتحذير منه، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي - إذا متن على الإسلام - بل هن وغيرهن من أهل المعاصي كلهم متوعَّدون بالنار على معاصيهم، ولكنهم تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم، وإن شاء عذبهم[5].


[1] رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات 3/ 1680 (2128).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 110.
[3] ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 110، ومجموع فتاوى ومقالات ابن باز 6/ 379 - 380.
[4] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/ 153.
[5] ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 110، ومجموع فتاوى ومقالات ابن باز 6/ 380 - 381.


الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري