عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَ ا مَا لَمْ يَتَكَلَّم ُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ".


ترجمة راوي الحديث:
راوي الحديث أبو هريرة رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.

تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم، حديث (127)، وأخرجه البخاري في " كتاب العتق " " باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله " حديث (2528)، وأخرجه أبو داود " كتاب الطلاق " " باب في الوسوسة بالطلاق " حديث (2209)، وأخرجه الترمذي في " كتاب الطلاق " " باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته " حديث (1183)، وأخرجه النسائي في " كتاب الطلاق " " باب من طلق في نفسه " حديث (3434)، وأخرجه ابن ماجه في " كتاب الطلاق " " باب من طلق في نفسه ولم يتكلم به " حديث (2040).

شرح ألفاظ الحديث:
• (إِنَّ اللّهَ تَجَاوَزَ لأِمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَ ا): أي لم يؤاخذهم بحديث النفس.
• (مَا لَمْ يَتَكَلَّم ُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ): أي ما لم يكن حديث النفس تعدى موضعه إلى القول (كالغيبة والنميمة والكذب والقذف ونحوها من آفات القول) أو إلى عمل (كالسرقة، أو الزنا، أو القتل، أو شرب الخمر ونحوها من آفات الجوارح).

فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على أن حديث النفس لا يؤاخذ به الإنسان مهما عظم ما لم يركن إليه. وهذا من فضل الله الواسع وتخفيفه على عباده.
قال القرطبي رحمه الله:" الذي لا نؤاخذ به هي الأحاديث الطارئة التي لا ثبات لها ولا استقرار في النفس، ولا ركون إليها" [المفهم 1/ 340].

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: "هذا الذي قاله النبي – صلى الله عليه وسلم - مفتاح فرج للأمة في كل ما يرد على قلوبها أو على نفسها من الوساوس والشبهات والشطحات.. . وهذا الحديث يريح الإنسان، فما دام الله عز وجل لا يؤاخذ بما حدثت به نفسك من هذه الأمور، فلا يهمك، ولا تركن إليها، ولا تعبأ بها، واطردها عن نفسك، ولا تعتقد أن ما جرى من هذه الوساوس يكون عليك فيه إثم، بل لقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - " ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ " " [انظر شرح شيخنا للبخاري 6/ 524].

وإن من أكثر المسائل التي يكون فيها حديث النفس وتحدث إشكالاً عند الناس، تحديث النفس بالطلاق ولذا أصحاب الكتب الستة ما سوى مسلم أوردوا حديث الباب في " كتاب الطلاق " مما يدل على كثرة ورود حديث النفس في شأن الطلاق، وقال شيخنا ابن عثيمين قبل كلامه السابق:" إذا قال في نفسه إنها طالق فإنها لا تطلق " وهو داخل في هذا الحديث" ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " فإن قال قائل: أليست النية عملاً وإرادة وقصد؟؟
فالجواب: بلى، هي عمل وقصد وإرادة، لكن الطلاق لا يقع بالنية، بل لابد فيه من لفظ، فمن شرطه أن يكون ملفوظاً، وهذا الرجل لم يلفظ به"

الفائدة الثانية: الحديث دليل على المؤاخذة على سيئات الأقوال والأفعال لقوله صلى الله عليه و سلم: "مَا لَمْ يَتَكَلَّم ُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ".

الفائدة الثالثة: قوله صلى الله عليه و سلم: "تَجَا وَزَ لأِمَّتِي" أخذ منه بعض أهل العلم أن التجاوز عن حديث النفس خاص بأمة محمد – صلى الله عليه وسلم - حملاً على ظاهر الحديث، ويؤيده ما جاء في الحديث السابق من عدم مؤاخذة الله تعالى هذه الأمة ما أخذ به على الأمم السابقة في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ قال الله تعالى: " قَدْ فَعَلْتُ ".
قال ابن حجر رحمه الله:" إن في الحديث إشارة إلى عظيم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها – صلى الله عليه وسلم - لقوله " تَجَاوَزَ لاِمَّتِي " ومنه إشعار باختصاصها بذلك" [الفتح 11/ 552].

وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله صلى الله عليه وسلم: " عن أمتي " ظاهره أن هذا خاص بهذه الأمة، ولعله من الآصار التي كتبت على من كان قبلنا، قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا هِمْ ﴾، وقال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه و سلم: ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْل َالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْ ﴾ [الأعراف:15 7] [شرح البخاري 6/ 524- 525].

الفائدة الرابعة: الحديث دليل على أن لفظة (حديث) ليست خاصة بحديث اللسان، وإن كان هذا هو المراد عند الإطلاق من حيث داخل أنه حديث اللسان، إلا أن حديث النفس يسمى حديثاً أيضاً.

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)




الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح