رغم أننى لست من أنصار الحديث باللغة العربية ، لاسيما لو تعلق الأمر بأشخاص يدرسون الفرنسية كلغة متخصصة ولو بصورة ظاهرية ليست عملية ، إلا أننى فضلت الحديث هنا بالعربية لأننى فطنت منذ زمن أن المواضيع التى أكتبها بالفرنسية لا تجد لها حبيباً ولا صاحباً وأنها بضاعة مزجاة وليس أدل على ذلك أن لا أحد يعلق عليها وهذا ببساطة يعنى أنها لم تقرأ أو قرات ولكن لم تفهم أو فهمت (وأشك فى هذا بصراحة) ولم يستطع أحد التعبير بشأن ذلك بالفرنسية. مهما يكن من الفرضيات الثلاث إلا أنها تتلاقى فى نقطة – وهى النقطة المحورية – وهى اللاقدرة على التعبير بالفرنسية ، وهو ما أود الحديث بشأنه بصراحة غير عادية. لست بصدد أن أعطى نصائح براقة أو أن أرفع لواء الأستاذية وألوم وأعاتب وأحاسب الغير بسبب اهمالهم أو هجرانهم رحاب اللغة ، ولكن بالله الغرض من موضوعى كما يدل عليه اسمه حقاً التصالح مع الفرنسية. قد يسأل أحدهم مستنكراً : وهل نحن فى خصام مع الفرنسية؟ فأجيبه قائلاً نعم ، هو ليس خصام مع الفرنسية إنما هو قطيعة غير محددة الأجل. مقاطعة بلا سبب. ألا ترى معى أن عدم الحديث بالفرنسية (هو فى الواقع عدم القدرة على الحديث) ولو لخمس دقائق يومياً هو مقاطعة؟ عدم سماعك للأغانى الفرنسية أو الخطابات الرسمية هو مقاطعة؟ أليس عدم القدرة على فهم فيلم فرنسى ولو بنسبة واحد فى المائة (المقصود هنا فيلم غير مترجم) هو انحطاط وهجر؟ ألا تعتبر عدم قراءة الدوريات والمجلات وأمهات الصحف الفرنسية هو فعلاً شىء قبيح لدارس متخصص؟ أليس من المستحسن لك كدارس لغة متخصص أن يكون لديك ميلاً للحديث عن اللغة ومستحدثاته ا بدلاً من الميل إلى الحديث عن ال******ات والملابس ومباريات كرة القدم وكل ما لا ينفع لا من قريب ولا من بعيد؟ أعتقد أننا نرى الصورة بوضوح نوعاً ما الآن (هذا إن كنا نغفل أو نتغافل عنها) وندرك مدى الخصام والقطيعة بيننا وبين الفرنسية. حسناً لكن ما السر وراء هذه الحالة الغير طبيعية ، هذا النفور من اللغة الفرنسية؟ علينا أن نسلم بأنه لا أحد يميل إلى اللاعلم والجهل. إن المشكلة الحقيقية تكمن فى ذلك الخلط الرهيب الذى نراه فى ساحات تعليم اللغة الفرنسية ، كيف؟ أولاً لابد من طرح سؤال هام وهو لماذا نتعلم اللغة الفرنسية؟ وأجيب بلسان الأغلبية قائلاً أننا نتعلم اللغة أساساً بهدف الحوار مع من ينطق بلسان هذه اللغة. معنى هذا أن الغرض من اللغة هو التحاور والتواصل وإمكانية التعبير عما نحمله من أفكار ومشاعر بهذه اللغة وهى هنا الفرنسية. لحظة من فضلك ! هل هذا هو ما نراه اليوم من سلوك من هم يدرسون هذه اللغة ويقضون أربع سنوات فى ذلك بشكل متخصص؟ قطعاً لا ! لقد ابتعد الجميع عن هذا الهدف السامى الأسمى للغة وراحوا يبحثون عن النجاح فقط أو التقدير الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع من دون لغة تدعمه وتواكبه ، وصرنا نرى الخريجين الجامعيين المفترض أنهم متخصصين وهم لا ينطقون حتى أبجدية اللغة بشكل صحيح ! ما السر فى ذلك؟ السر هو أنهم قد ابتعدوا عن هدف اللغة وهو تعلم اللغة كعلم حقيقى لا كمسخ مكتوب نحفظ منه عدة ورقات ثم نحصل على درجة وكأنما قد زاغت أبصارنا عن هذه العروس الجميل المسماة باللغة الفرنسية ولم نعد نراها وحجبت واستترت علينا وأصبح الكل يركض وراء النجاح أو التقدير دون السعى لهدف اللغة الأصلى ألا وهو امتلاك ناصية اللغة. لا أنكر أن البعض قد حاولوا السيطرة على اللغة وترويضها إالا أنهم وللأسف قد فشلوا فى ذلك. لكن ما السبب فى فشلهم هذا؟ السبب فى هذا هو أنهم – رغم أن كثير من هذا البعض قد بذلوا جهوداً مضنية – تعاملوا بشكل مغلوط مع تعلم اللغة. كيف؟ من ضمن بؤس الثقافة التعليمية لدينا هو أننا لازلنا ننظر إلى اللغة على أنها قوائم مكتظة بالكلمات وننظر كذلك إلى قواعد اللغة على أنها قوالب طوب مصمتة ، وهذا كله طبعاً غير صحيح. هناك خطأ آخر وهو أننا ننظر إلى اللغة نظرة اقصائية ، فنراها أنها معزولة عن باقى مناحى الحياة الأخرى ونراها أيضاً بمعزل عن الممارسة. لابد من أن يخضع تعلم اللغة لأشياء لا مفر منها وأولها هو التفهم التام للنظام الصوتى للغة الفرنسية مع مقارنة هذا النظام بالنظام الصوتى العربى وإدراك الاختلافات والتشابهات بينهما. إن من يتعلم الفرنسية يظن – وهو مخطىء طبعاً – أن المقصود بلفظ الفرنسية هو اتقان حروفها الأبجدية وأن كل شىء سيصير تمام التمام لو أتقن لفظ أبجديتها ! هذه فعلاً كارثة ! إن عدم التشبع بالنظام الصوتى الفرنسى يؤدى حتماً لما نراه اليوم من تهريج غير مق*** بالمرة. انظر لأحدهم وهو يلفظ كلمة أو جملة بالفرنسية ، تراه وكأنما يعانى مخاضاً وهو يلفظ بالكلمة أو بالجملة وفى ذات الوقت فنطقه يصيب من يفهم حقاً برغبة غير عادية فى القيىء.
الموضوع لم ينتهى بعد وله تكملة لأنه موضوع من الصعب إتمامه فى مرة واحدة
المفضلات